التفاسير

< >
عرض

فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
٧٧
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فانطلقا } اى ذهبا بعد ما شرطا ذلك { حتى اذا اتيا اهل قرية } هى انطاكية بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة قاعدة العواصم وهى ذات اعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة اجبل دورها اثنا عشر ميلا كما فى القاموس.
قال الكاشفى [واهل ديه جون شب شدى دروازه دربستندى وبراى هيجكس نكتسادندى نماز شام موسى وخضر بدان ديه رسيدند وخواستندكه بديه در آيند كسى دروازه نكشود واهل ديه را كفتند اينجا غريب رسيده ايم كرسنه نيز هستيم جون مارا درديه جاى نداديد بارى طعام جهت ما بفرستيد] وذلك قوله تعالى { استطعما اهلها } اى طلبا منهم الطعام ضيافة.
قيل لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم.
قال فى الاسئلة المقحمة استطعم موسى ههنا فلم يطعم وحين سقى لبنات شعيب ما استطعتم وقد اطعم حيث قال
{ ان ابى يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا } والجواب ههنا ان الحرمان كان بسبب المعارضة بحيث لم يكتف بعلم الله بحاله بل جنح الى الاعتماد على مخلوق فاراد السكون بحادث مسبوق وهناك جرى على توكله ولم يدخل وساطه بين المخلوقين وبين ربه بل حط الرحل ببابه فقال { رب انى لما انزلت الى من خير فقير } قال الحافظ

فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى كه جزدعاى نوام نيست هيج دست آويز

وقال

ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم با بادشه بكوى كه وزى مقدرست

قوله { استطعما اهلها } فى محل الجر على انه صفة لقرية وجه العدول عن استطعامهم على ان يكون صفة للاهل لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم فان الاباء من الضيافة وهم اهلها قاطنون بها اقبح واشنع { فابوا } امتنعوا { ان يضيفوهما } اى من تضييفهما وهو بالفارسية [مهمان كردن] يقال ضافه اذا نزل به ضيفا واضافه وضيفه انزله وجعله ضيفا له هذا حقيقة الكلام ثم شاع كناية عن الاطعام وحقيقة ضاف مال اليه من ضاف السهم عن الغرض اذا مال وعن النبى عليه السلام "كانوا اهل قرية لئاما" : قال الشيخ سعدى قدس سره

بزر كان ماسفر بجان برورند كه نام نكويى بعالم برند
غريب آشناباش وسياح دوست كه سياح جلاب نام نكوست
تبه كرددان مملكت عن قريب كزوخاطر آزرده كردد غريب
نكودار ضيف ومسافر عزيز وز آسيب شان برحذرباش نيز

وفى الحكاية ان اهلها لما سمعوا الآية جاؤوا الى النبى عليه السلام يحمل من الذهب وقالوا انشترى بهذا ان تجعل الباء تاء يعنى فأتوا ان يضيفوهما اى لان يضيفوهما وقالوا غرضنا دفع اللؤم فيمتنع وقال تغييرها يوجب دخول الكذب فى كلام الله والقدح فى الالهة كذا فى التفسير الكبير { فوجدا فيها } قال الكاشفى [ايشان كرسنه بيرون ديه بودند بامداد روى براه نهادند بس يافتند در نواحى ديه] { جدارا }[ديوارى مائل شده بيك طرف] { يريد ان ينقض } الارادة نزوع النفس الى شئ من حكمه فيه بالفعل او عدمه والارادة من الله هى الحكم وهذا من مجاز كلام العرب لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر الى دار فلان اذا كانت تقابلها.
قال فى الارشاد اى يدانى ان يسقط فاستعيرت الارادة للمشاركة للدلالة على المبالغة فى ذلك. والانقضاض الاسراع فى السقوط وهو انفعال من القض يقال قضضته فانقض ومنه انقضاض الطير والكواكب لسقوطها بسرعة.
وقيل هو افعلال من النقض كاحمر من الحمرة { فاقامه } فسواه الخضر بالاشارة بيده كما هو المروى عن النبى عليه السلام وكان طول الجدار فى السماء مائة ذراع { قال } له موسى لضرورة الحاجة الى الطعام.
قال الكاشفى [كفت موسى اين اهل ديه مارا جاى ندادند وطعام نيز نفر ستادند بس جرا ديوار ابشانرا عمارت كردى] والجملة جزاء الشرط { لو شئت لاتخذت } افتعل من اتخذ بمعنى اخذ كاتبع وليس من الاخذ عند البصريين { عليه } على عملك { اجرا } اجرة حتى نشترى بها طعاما.
قال بعضهم لما قال له
{ لتغرق اهلها } قال الخضر أليس كنت فى البحر ولم تغرق من غير سفينة ولما قال { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } قال أليس قتلت القبطى بغير ذنب ولما قال { لو شئت لاتخذت عليه اجرا } قال أنسيت سقياك لبنات شعيب من غير اجرة وهذا من باب لطائف المحاورات.
قال القاسم لما قال موسى هذا القول وقف ظبى بينهما وهما جائعان من جانب موسى غير مشوى من جانب الخضر مشوى لان الخضر اقام الجدار بغير طمع وموسى رده الى الطمع.
قال ابن عباس رضى الله عنهما رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل ألا ترى الكليم لما قال للخضر { لو شئت } الآية كيف فارقه.
وقال الجنيد قدس سره اذا وردت ظلمة الاطماع على القلوب حجبت النفوس عن نظرها فى بواطن الحكم.
يقول الفقير ان قلت كيف جوز موسى طلب الاجرة بمقالة العمل الذى حصل بمجرد الاشارة وهو من طريق خرق العادة الى لا مؤونة فيه.
قلت لم ينظر الى جانب الاسباب وانما نظر الى النفع العائد الى جانب اصحاب الجدار ألا ترى انه جور اخذ الاجر بمقالة الرقية بسورة الفاتحة ونحوها وهو ليس من قبيل طلب الاجرة على الدعوة فانه لا يجوز للنبى ان يطلب اجرا من قومه على دعوته وارشاده كما اشير اليه فى مواضع كثيرة من القرآن.