التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ حتى اذا بلغ }[تاجون رسيد] { مغرب الشمس } اى منتهى الارض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن احد من مجاوزته ووقف على حافة البحر المحيط.
قال الشيخ اى بلغ قوما فى جهة ليس وراءهم احد لانه لا يمكنه ان يبلغ موضع غروب الشمس. قال فى التبيان ولما وصل ذو القرنين الى مغرب الشمس يطلب عين الحياة قال له شيخ هى خلف ارض الظلمة ولما اراد ان يسلك فى الظلمة سأل أى الدواب فى الليل ابصر قالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر قالوا الاناث فقال أيى الاناث ابصر قالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك فركبوا الرماك وترك بقية عسكره فدخلوا الظلمات فساروا يوما وليلة فاصاب الخضر العين لانه كان على مقدمة جيشه صاحب لوائه الاكبر فشرب منها واغتسل واخطأ ذو القرنين: قال الحافظ

فيض ازل بزور زر ار آمدى بدست آب خضر نصيبه اسكندر آمدى

فساروا على حصحاص من حجارة لا يدرون ما هى فسألوه عنها فقال الاسكندر خذوا من هذه الحجار ما استطعتم فانه من اقل منها ندم ومن اكثر منها ندم فاخذوا وملأوا مخالى دوابهم من تلك الحجارة فلما خرجوا نظروا الى ما فى مخاليهم فوجدوه زمردا اخضر فندموا كلهم لكونهم لم يكثروا من ذلك { وجدها } اى رأى الشمس { تغرب فى عين حمئة } اى ذات حمأة وهى الطين الاسود. بالفارسية [آب مكدر لاى آميز] من حمئت البئر اذا كثرت حمأتها ولعله لما بلغ ساحل البحر رآها كذلك اذ ليس فى مطمح نظره غير الماء كراكب البحر ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب.
وقال بعضهم لما بلغ موضعا لم يبق بعده عمارة فى جانب المغرب وجد الشمس كأنها تغرب فى وهذه مظلمة كما ان راكب البحر يراها كأنها تغرب فى البحر اذا لم ير الشط وهى فى الحقيقة تغيب وراء البحر والا فقد علم ان الارض كرة والسماء محيطة به والشمس فى الفلك وجلوس قوم فى قرب الشمس غير موجود والشمس اكثر من الارض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها فى عين من عيون الارض.
قال السمرقندىرحمه الله فى بحر العلوم فان قيل قد ورد فى الحديث ان الشمس تشرق من السماء الرابعة ظهرها الى الدنيا ووجهها يشرق لاهل السموات وعظمها مثل الدنيا ثلاثمائة مرة او ما شاء الله فكيف يمكن دخولها فى عين من عيون الارض قلنا ان قدرة الله تعالى باهرة وحكمته بالغة فالله تعالى قادران يدخل السموات السبع والارضين السبع فى اصغر شئ واحقر فما ظنك بما فيها من الشمس وغيرها انتهى.
وفى التأويلات فان قال قائل انا قد علمنا ان الشمس فى السماء الرابعة ولها فلك خاص يدور بها فى السماء فكيف يكون غروبها فى عين حمئة قلنا ان الله تعالى لم يخبر عن حقيقة غروبها فى عين حمئة وانمااخبر عن وجدان ذى القرنين غروبها فيها فقال { وجدها تغرب فى عين حمئة } وذلك ان ذا القرنين ركب بحر الغرب واجرى مركب الى ان بلغ فى البحر موضعا لم يتمكن جريان المراكب فيه فنظر الى الشمس عند غروبها وجدها تغرب بنظره فى عين حمئة انتهى.
قال بعضهم اذا كان ذو القرنين نبيا فنظر النبى ثاقب يرى الاشياء على ما هى عليها كما رأى النبى عليه السلام النجاشى من المدينة وصلى عليه وان لم يكن نبيا فذلك الوجدان بحسب حسبانه { ووجد عندها } عند تلك العين يعنى عند نهاية العمارة. وبالفارسية { يافت نزديك آن جشمه برساحل درياى محيط غربى]{ قوما }[كروهى را در ناسك مذكوراست كه ايشان قومى بودند بت برست سبز جشم سرخ موى لباس ايشان بوست حيوانات وطعام ايشان كوشت حيوان آبى] قال بعضهم قوما فى مدينة لها اثنا عشر الف باب لولا اصوات اهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب
وقال الامام السهيلى هم اهل جابلص بالفتح وهى مدينة يقال لها بالسريانية جرجيسا لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام واهل جابلس آمنوا بالنبى عليه السلام لما مر بهم ليلة الاسراء.
وقال فى اسئلة الحكم اما حديث جابلصا وجابلقا وايمان اهاليهما ليلة المعراج وانهما من الانسان الاول فمشهور { قلنا } بطريق الالهام ويدل على نبوته كونه مأمور بالقتال معهم كما قال عليه السلام
"مرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله" كما فى التأويلات.
قال الحدادى لا يمكن اثبات نبوة الا بدليل قطعى { يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيه حسنا } امرا ذاحسن فحذف المضاف اى انت مخير فى امرهم بعد الدعوة الى الاسلام اما تعذيبك بالقتل او ابوا واما احسانك بالعفو والاسر وسماهما احسانا فى مقابلة القتل ويجوز ان يكون اما وا ما للتوزيع والتقسيم دون التخيير اى ليكن شأنك معهم اما التعذيب واما الاحسان فالاول لمن بقى على حاله والثانى لمن تاب.