التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً
١٦
-مريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذكر } يا محمد للناس { فى الكتاب } اى القرآن او السورة الكريمة فانها بعض من الكتاب فصح اطلاقه عليها { مريم } على حذف المضاف اى خبر بنت عمران وقصتها فان الذكر لا يتعلق بالاعيان ومريم بمعنى العابدة قال بعض العلماء فى حكمة ذكر مريم باسمها دون غيرها من النساء ان الملوك والاشراف لا يذكرون حرارهم فى ملأ ولا يبتذلون اسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالعرس والعيال والاهل ونحو ذلك فاذا ذكروا الاماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا اسماءهن عن الذكر والتصريح بها فلما قالت النصارى فى حق مريم ما قالت وفى انبها صرح الله تعالى باسمها ولم يكنّ عنها تأكيدا للاموّة والعبودية التى هى صفة لها واجراء للكلام على عادة العرب فى ذكر امائها ومع هذا فان عيسى عليه السلام لا اب له واعتقاد هذا واجب فاذا تكرر ذكره منسوبا الى الام استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفى الاب عنه وتنزيه الام الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله تعالى كذا فى التعريف والاعلام للامام السهيلى.
وقال فى اسئلة الحكم سميت مريم فى القرآن باسمها لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل فذكرت باسمها كما يذكر الرجال من موسى وعيسى ونحوهما عليهم السلام وخوطبت كما خوطب الانبياء كما قال تعالى
{ يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين } ولذا قيل بنبوتها { اذا انتبذت } ظرف لذلك المضاف من النبذ وهو الطرح والانتباذ افتعال منه { من اهلها } من قومها متعلق بانتبذت { مكانا شرقيا } مفعول له باعتبار ما فى ضمنه من معنى الاتيان.
قال الحسن ومن ثمة اتخذ النصارى المشرق قبلة كما اتخذ اليهود المغرب قبلة لان الميقات وايتاء التوراة واقعا فى جانب الجبل الغربى كما قال تعالى
{ وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الامر } والمعنى حين اعتزلت وانفردت وتباعدت من قومها وأتت مكانا شرقيا من دار خالتها ايشاع زوجة زكريا فان موضعها كان المسجد فاذا حاضت تحولت الى بيت خالتها واذا طهرت عادت الى المسجد فاحتاجت يوما الى الاغتسال وكان الوقت وقت الشتاء فجاءت الى ناحية شرقية من الدار وموضع مقابل للشمس.