التفاسير

< >
عرض

وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً
٥٠
-مريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ووهبنا لهم من رحمتنا } كل خير دينى ودنيوى مما لا يوهب من العالمين { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } ثناء حسنا رفيعا فان لسان الصدق هو الثناء الحسن على ان يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب واضافته من اضافة الموصوف الى الصفة اى يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله { واجعل لى لسان صدق فى الآخرين
} اعلم ان فى الآيات اشارات. منها الرفق وحسن الخلق فان الهادى الى الحق يجب ان يكون رفيقا فان العنف يوجب اعراض المستمع وفى الحديث "اوحى الله الى ابراهيم ان يا خليل حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار فان كلمتى سبقت لمن حسن خلقه بان اظله تحت عرشى واسكنه حظيرة القدس وادنيه من جوارى" : قال الصائب

كذشت عمر ونكردى كلام خودرا نرم ترا جه حاصل ازين آسياى دندانست

ومنها المتابعة قال ابو القاسم الطريق الى الحق المتابعة من علت مرتبته اتبع الكتاب ومن نزل عنهم اتبع الرسول عليه السلام ومن نزل عنهم اتبع الصحابة رضى الله عنهم ومن نزل عنهم اتبع أولياء الله والعلماء بالله وأسلم الطرق الى الله طريق الاتباع لان سهل بن عبد الله قال اشد ما على النفس الاقتداء فانه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة.
ومنها العزلة قال ابو القاسم من اراد السلامة فى الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء واخدان السوء ولا يمكنه ذلك الا بالالتجاء والتضرع الى ربه فى ذلك ليوفقه لمفارقتهم فان المرأ مع من احب.
قال بعض الكبار العزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه فاداه ذلك الى صمت اللسان وهى على قسمين عزلة المريدين بالاجسام عن الاغيار وعزلة المحققين بالقلوب عن الاكوان فليست قلوبهم محالا لغير علم الله الذى هو شاهده الحاصل فيها من المشاهدة ونية اهل العزلة اما اتقاء شر الناس واما اتقاء شره المتعدى اليهم وهو ارفع من الاول اذ سوء الظن بالنفس اولى من سوء الظن بالغير واما ايثار صحبة المولى على صحبة السوى فاعلى المعتزلين من اعتزل عن نفسه ايثار الصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ولم يعرف احد ما يعطيه الله من المواهب والاسرار والعزلة تعطى صمت اللسان لا صمت القلب اذ قد يتحدث المرؤ فى نفسه بغير الله ومع غير الله فلهذا جعل الصمت ركنا برأسه من اركان الطريق وحال اعزلة التنزيه عن الاوصاف سالكا كاد المعتزل يكون صاحب يقين مع الله تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق بخارج بيت عزلته والهجرة سبب للعزلة عن الاشرار من هاجر فى طلب رضى الله اكرمه الله فىالدنيا والآخرة. فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الرضى بالهجرة والخلوة والعزلة ونحوها: قال الصائب

درمشرب من خلوت اكر خلوت كوراست بسيار به از صحبت ابناى زمانست

ومنها ان من فارق محبوبه ابتغاء لمرضاة الله تعالى فان الله تعالى يجعل له بدلا خيرا من ذلك واحب فيأنس به ويتوحش عما الف به فيما مضى فيحصل الحل والعقد على مراد الله اللهم اجعلنا من المنقطعين اليك والمستوحشين عما سواك والسالكين الى سبيل الفناء والطالبين لرضاك.