التفاسير

< >
عرض

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
١٠
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ فى قلوبهم مرض فزادهم الله } زاد يجيئ متعدي كما فى هذه الآية ولازما كما فى قوله تعالى { فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } [الصافات: 147].
والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ويوجب الخلل فى افاعليه ويؤدىالى الموت ومجاز فى الاعراض النفسانية التى تخل بكمالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصى وغير ذلك من فنون الكفر المؤدى الى الهلاك الروحانى لانها مانعة عن نيل الفضائل او مؤدية الى زوال الحياة الحقيقة الابدية والآية الكريمة تحتملها فان قلوبهم كانت متألمة تحرفا على مافات عنهم من الرياسة وحسدا على ما يرون من ثبات أمد الرسول عليه السلام واستعلاء شأنه يوما فيوما فزاد الله غمهم بما زاد فى اعلاء امره ورفع قدره وان نفوسهم كانت مؤوفة بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبى عليه السلام ونحوها فزاد الله ذلك بان طبع على قلوبهم لعلمه تعالى بانه لا يؤثر فيها التذكير والانذار وبازدياد التكاليف الشرعية وتكرير الوحى وتضاعف النصر لانهم كلما ازداد التكاليف بنزول الوحى يزدادون كفرا وقد كان يشق عليهم التكلم بالشهادة فكيف وقد لحقتهم الزيادات وهى وظائف الطاعات ثم العقوبة على الجنايات فازدادوا بذلك اضطرابا على اضطراب وارتيابا على ارتياب ويزدادون بذلك فى الآخرة عذابا على عذاب قال تعالى
{ زدناهم عذابا فوق العذاب } [النحل: 88].
والمؤمنون لهم فى الدنيا ما قال { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } وفى العقبى ما قال { ويزيدهم من فضله }.
قال القطب العلامة امراض القلب اما متعلقة بالدين وهو سوء الاعتقاد والكفر او بالاخلاق وهى اما رذائل فعلية كالغل والحسد واما رذائل انفعالية كالضعف والجبن فحمل المرض اولا على الكفر ثم على الهيآت الفعلية ثم على الهيآت الانفعالية ويحتمل ان يكون قوله تعالى { فزادهم الله } دعاء عليهم * فان قلت فكيف يحمل على الدعاء والدعاء للعاجز عرفا والله تعالى منزه عن العجز قلت هذا تعليم من الله عباده انه يجوز الدعاء على المنافقين والطرد لهم لانهم شر خلق الله لانه اعد لهم يوم القيامة الدرك الاسفل من النار وهذا كقوله تعالى
{ قاتلهم الله } [التوبة: 30] { { ولعنهم الله } [التوبة: 68] { ولهم } فى الآخرة { عذاب اليم } يصل المه الى القلوب وهو بمعنى المؤلم بفتح اللام على انه اسم مفعول من الايلام وصف به العذاب للمبالغة وهو فى الحقيقة صفة المعذب بفتح الذال المعجمة كما ان الجد للجاد فى قولهم جدجده وجه المبالغة افادة ان الالم بلغ الغاية حتى سرى المعذب الى العذاب المتعلق به { بما كانوا يكذبون } الباء للسببية او للمقابلة وما مصدرية داخلة فى الحقيقة على يكذبون وكلمة كانوا مقحمة لافادة دوام كذبهم وتجدده اى بسب بكذبهم المتجدد المستمر الذى هو قولهم آمنا الخ وفيه رمز الى قبح الكذب وسماجته وتخييل ان العذاب الاليم لاحق بهم من اجل كذبهم نظرا الى ظاهر العبارة المتخيلة لانفراده بالسببية مع احاطة علم السامع بان لحوق العذاب بهم من جهات شتى وان الاقتصار عليه للاشعار بنهاية قبحه والتنفير عنه.
والكذب الاخبار بالشئ على خلاف ما هو به وهو قبيح كله. واما ما روى ان ابراهيم عليه السلام (كذب ثلاث كذبات) فالمراد به التعريض لكن لما شابه الكذب فى صورته سمى به واحدى الكذبات.
قوله
{ فقال إنى سقيم } [الصافات: 89] اى ذاهب الى السقم او الى الموت او سيسقم لما يجد من الغيظ فى اتخاذهم النجوم آلهة قاله ليتركوه منالذهاب معهم الى عيد لهم حتى يخلوا سبيله فيكسر اصنامهم. والثانية قوله { بل فعله كبيرهم } [الأنبياء: 63].
هذا على الفرض والتقدير على سبيل الالزام كانه قال لوكان الها معبودا وجب ان يكون قادرا على ان يفعله فاذا لم يكن قادرا عليه يكون عاجزا والعاجز بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة فكيف حالكم فى العكوف عليه فهذا القول تهكم بعقولهم. وثالثها قوله فى حق زوجته سارة رضى الله عنها (هذه اختى) والمراد منه الاخوة فى الدين وغرضه منه تخليصها من يد الظالم لان من دين ذلك الملك الذى يتدين به فى الاحكام المتعلقة بالسياسة لا يتعرض الا لذوات الازواج لان من دينه ان المرأة اذا اختارت الزوج فالسلطان احق بها من زوجها واما اللاتى لا ازواج لهن فلا سبيل عليهن الا اذا ارضين.
واما قوله
{ هذا ربى } [الأَنعام: 76] فهو من باب الاستدراج وهو ارخاء العنان مع الخصم وهو نوع من التعريض لان الغرض منه حكاية قولهم كذا فى حواشى ابن تمجيد.
واعلم ان الكذب من قبايح الذنوب وفواحش العيوب ورأس كل معصية بها يتكدر القلوب وابغض الاخلاق انه مجانب للايمان يعنى الايمان فى جانب والكذب فى جانب آخر مقابل له وهذا كناية عن كمال البعد بينهما وفى الحديث
"مالى اراكم تتهافتون فى الكذب تهافت الفراش فى النار كل الكذب مكتوب كذبا لا محالة الا ان يكذب الرجل فى الحرب فان الحرب خدعة او يكون بين رجلين شحناء فيصلح بينهما او يحدث امرأته ليرضيها" مثل ان يقول لا احد احب الى منك وكذا من جانب المرأة فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء وفى معناها ما أداها اذا ارتبط بمقصود صحيح له او لغيره كما قيل بالفارسية

دروغ مصلحت آميز به ازراست فتنه انكيز

لكن هذا فى حق الغير واما فى حق نفسه فالصدق اولى وان لزم الضرر: كما قال السعدى

تانيك ندانى كه سخن عين صوابست ايد بكفتن دهن ازهم نكشايى
كرراست سخن كويى ودربندبمانى به زانكه دروغت دهد ازبند رهايى

وأعلم أن المراد بالكذب فى الحقيقة الكذب فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية كما للمنافقين ومن يحذو حذوهم ولا يصح الاقتداء بارباب الكذب مطلقا ولا يعتمد عليهم فانهم يجرون الى الهلاك والفراق عن مالك الاملاك: قال فى المثنوى

صبح كاذب كاروا انهارا زدهاست كه ببوى روز بيروى آمده است
صبح كاذب خلق را رهبر مباد كو دهد بس كاروانها را بباد

قا القاشانى فى تأويل الآية فى قلوبهم حجاب من حجب الرذائل النفسانية الشيطانية والصفات البشرية عن تجليات الصفات الحقانية وفى التأويلات النجمية { فى قلوبهم مرض } وهو التفات الى غير الله { فزادهم الله مرضا } اى زاد مرض الالتفات على مرض خداعهم فحرموا من الوصول والوصال { ولهم عذاب اليم } من حرمان الوصول الى الله تعالى { بما كانوا يكذبون } بقولهم انا آمنا بالله فانهم ليسوا بمؤمنين حقيقة والايمان الحقيقى نور اذا دخل القلب يظهر على المؤمن حقيقته كما كان لجارثة لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال يا حارثة ان لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك قال اعرضت نفسى عن الدنيا اى زهدت وانصرفت فاظمأ نهارها واسهر ليلها واستوى عندى حجرها وذهبها وكأنى انظر الى اهل الجنة يتزاورون والى اهل النار ينصاعون وكأنى انظر الى عرش ربى بارزا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصبت فالزم" : قال فى المثنوى

اهل صيقل رسته اند ازبوورنك هر دمى بينند خوبى بى درنك
نقش وقشر علم را بكذا شتند رايت عين اليقين افرا شتند
بر ترنداز عرش وكرسى وخلا ساكنان مقعد صدق خدا
علم كان نبود زهو بى واسطه آن نبايد همجورنك ما شطه