التفاسير

< >
عرض

صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ صبغة الله } الصبغ ما يلون به الثياب والصبغ المصدر والصبغة الفعلة التى تبنى للنوع والحالة من صبغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التى يقع الصبغ عليها وهى اى الصبغة فى الآية مستعارة لفطرة الله التى فطر الناس عليها شبهت الخلقة السليمة التى يستعد بها العبد للايمان وسائر انواع الطاعات بصبغ الثوب من حيث ان كل واحدة منهما حلية لما قامت هى به وزينة له والتقدير صبغنا الله صبغة اى فطرنا وخلقنا على استعداد قبول الحق والايمان فطرته فهذا المصدر مفعول مطلق مؤكد لنفسه لانه مع عامله المقدر بعينه وقع مؤكدا لمضمون الجملة المقدمة وهو قوله آمنا بالله لا محتمل لها من المصادر الا ذلك المصدر لان ايمانهم بالله يحصل بخلق الله اياهم على استعداد اتباع الحق والتحلى بحلية الايمان ويحتمل ان يكون التقدير طهرنا الله تطهيره لان الايمان يطهر النفوس من اوضار الكفر وسماه صبغة للمشاكلة وهى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوع ذلك الشئ فى صحبة الغير اما بحسب المقال المحقق او المقدر بان لا يكون ذلك الغير مذكورا حقيقة ويكون فى حكم المذكور لكونه مدلولا عليه بقرينة الحال فهى كما تجرى بين فعلين كما هنا تجرى بين قولين كما فى تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك فانه عبر عن ذات الله تعالى بلفظ النفس لوقوعه فى صحبة لفظ النفس وعبر عن لفظ الفطرة بلفظ الصبغة لوقوعه فى صحبة صبغة النصارى اذ كانوا يشتغلون بصبغ اولادهم فى سابع الولادة مكان الختان للمسلمين بغمسهم فى الماء الاصفر الذى يسمونه المعمودية على زعم ان ذلك الغمس وان لم يكن مذكورا حقيقة لكنه واقع فعلا من حيث انهم يشتغلون به فكان فى حكم المذكور بدلالة قرينة الحال عليه من حيث اشتغالهم به ومن حيث ان الآية نزلت ردا لزعمهم ببيان ان التطهير المعتبر هو تطهير الله عباده لا تطهير اولادكم بغمسهم فى المعمودية وهى اسم ماء غسل به عيسى عليه السلام فمزجوه بماء آخر وكلما استعملوا منه جعلوا مكانه ماء آخر { ومن أحسن } مبتدأ وخبر والاستفهام فى معنى الجحد { من الله صبغة } نصب على التمييز من احسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن صبغته احسن من صبغته تعالى فالتفضيل جار بين الصبغتين لا بين فاعليهما والمعنى أى شخص تكون صبغته احسن من صبغة الله فانه يصبغ عباده بالايمان ويطهرهم به من اوضار الكفر وانجاس الشرك فلا صبغة احسن من صبغته { ونحن له } اى لله الذى اولانا تلك النعمة الجليلة { عابدون } شكرا له ولسائر نعمه وتقدم الظرف للاهتمام ورعاية الفواصل وهو عطف على آمنا داخل تحت الامر وهو قولوا فاذا كان حرفة العبد العبادة فقد زين نفسه بصبغ حسن يزينه ولا يشينه: وفى المثنوى

كاورا رنك ازبرون مردرا ازدرون دان رنك سرخ وزردرا
رنكهاى نيك ازخم صفاست رنك زشتان ازسياه آب جفاست
صبغة الله نام آن رنك لطيف لعنة الله بوى اين رنك كثيف

وفى قوله تعالى { ونحن له عابدون } اشارة الى ان العارفين يعبدون ربهم لا لشوق الجنة ولا لخوف النار.
قال الله تعالى فى الزبور ومن اظلم ممن عبدنى لجنة او نار فلو لم اخلق جنة ولا نارا لم اكن مستحقا لان اعبد.
واعلم ان العابد هو العامل بحق العبودية فى مرضاة الله تعالى والعبادة دون العبودية وهى دون العبودة لان من لم يبخل بروحه فهو صاحب عبودة فالعبادة ببذل الروح فوق العبادة ببذل النفس.
قال سهل بن عبد الله لا يصح التعبد لاحد حتى لا يجزع من اربعة اشياء من الجوع والعرى والفقر والذل.
قال الشيخ ابو العباسرحمه الله اوقات العبد اربعة لا خامس لها الطاعة والمعصية والنعمة والبلية ولكل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية فمن كان وقته النعمة فسبيله الشكر وهو فرح القلب بالله تعالى ومن كان وقته البلية فسبيله الرضى والصبر فعليك ان تراقب الاوقات الى ان تصل اعلى الدرجات وغاية الغايات: وفى المثنوى

كافرم من كر زيان كردست كس درره ايمان وطاعت يكنفس
سرشكسته نيست اين سررا مبند يك دوروزه جهد كن باقى بخند
تازه كن ايمان نه از كفت زبان اى هوارا تازه كرده درنهان
تاهواتازه است ايمان تازه نيست كين هو اجز قفل آن دروازه نيست

ـ روى ـ ان السرى قدس سره قال مكثت عشرين سنة اخرس خلق الله تعالى فلم يقع فى شبكتى الا واحد كنت اتكلم فى المسجد الجامع ببغداد يوم الجمعة وقلت عجبت من ضعيف عصى قويا فلما كان يوم السبت وصليت الغداة اذا انا بشاب قد وافى وخلفه ركبان على دواب بين يديه غلمان وهو راكب على دابته فنزل وقال أيكم السرى السقطى فأومأ جلسائى الى فسلم على وجلس وقال سمعتك تقول عجبت من ضعيف عصى قويا فما اردت به فقلت ما ضعيف اضعف من ابن آدم ولا قوى اقوى من الله تعالى وقد تعرض ابن آدم مع ضعفه الى معصية الله تعالى قال فبكى ثم قال يا سرى هل يقبل ربك غريقا مثلى قلت ومن ينقذ الغرقى الا الله تعالى قال يا سرى ان على مظالم كثيرة كيف اصنع قال اذا صححت الانقطاع الى الله تعالى ارضى عنك الخصوم بلغنا عن النبى عليه السلام انه قال "اذا كان يوم القيامة واجتمع الخصوم على ولى الله وكل لكل منهم ملكا يقول لا تروّعوا ولى الله فان حقكم اليوم على الله تعالى" فبكى ثم قال صف لى الطريق الى الله فقلت ان كنت تريد المقتصدين فعليك بالصيام والقيام وترك الآثام وان كنت تريد طريق الاولياء فاقطع العلائق واتصل بخدمة الخالق فبكى حتى بل منديلا له ثم انصرف وكان من امره كيت وكيت من ترك الاهل والعيال والسكون عند المقابر وتغيير الحال حتى توفى ذلك الشاب على الاحالة التى اقبل عليها قال السرى فحلمت يوما عيناى فاذا به يرفل فى السندس والاستبرق ويقول لى جزاك الله خيرا فقلت ما فعل الله بك قال ادخلنى الجنة ولم يسألنى عن ذنب انتهى.