التفاسير

< >
عرض

كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
١٥١
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } متصل بما قبله اى ولاتم نعمتى عليكم فى امر القبلة اتماما كائنا كاتمامى لها بارسال رسول كائن منكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم فان ارسال الرسول لا سيما المجانس لهم نعمة لم تكافئها نعمة قط { يتلو عليكم آياتنا } وهو القرآن العظيم { ويزكيكم } اى يحملكم على ما تصيرون به ازكياء طاهرين من دنس الذنوب المكدرة لجوهر النفس لان شأن الرسل الدعوة والحث على اعمال يحصل بها طهارة نفوس الامة من الشرك والمعاصى لا تطهيرهم اياهم بمباشرتهم من اول الامر { ويعلمكم الكتاب } اى ما فى القرآن من المعانى والاسرار والشرائع والاحكام التى باعتبارها وصف القرآن بكونه هدى ونورا فانه عليه السلام كان يتلوه عليهم ليحفظوا نظمه ولفظه فيبقى على ألسنة اهل التواتر مصونا من التحريف والتصحيف ويكون معجزة باقية الى يوم القيامة وتكون تلاوته فى الصلاة وخارجها نوعا من العبادة والقربة ومع ذلك كان يعلم ما فيه من الحقائق والاسرار ليهتدوا بهداه وانواره { والحكمة } هى الاصابة فى القول والعمل ولا يسمى حكيما الا من اجتمع له الامران كذا قال الامام من احكمت الشئ اى رددته عمالا يعنيه وكأن الحكمة هى التى ترد عن الجهل والخطأ.
واعلم ان العمل بالقرآن متفرع على معرفة معناه وهو متفرع على معرفة الفاظه والتزكية غاية اخيرة لانها متفرعة على العمل لكنها قدمت فى الذكر نظرا الى تقدمها فى التصور { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } قال الراغب ان قيل ما معنى ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون وهل ذلك الا الكتاب والحكمة قيل عنى بذلك العلوم التى لا طريق الى تحصيلها الا من جهة الوحى على ألسنة الانبياء ولا سبيل الى ادراك جزئياتها وكلياتها الا به وعنى بالحكمة والكتاب ما كان للعقل فيه مجال فى معرفة شىء منه واعاد ذكر ويعلمكم مع قوله ما لم تكونوا تعلمون تنبيها على انه مفرد عن العلم المتقدم ذكره.