التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ
١٦٧
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقال الذين اتبعوا } حين عاينوا تبرى الرؤساء منهم وندموا على ما فعلوا من اتباعهم لهم فى الدنيا { لو أن لنا كرة } اى ليت لنا رجعة الى الدنيا وعودة { فنتبرأ منهم } هناك { كما تبرأوا منا } اليوم اى تبرأ مثل تبرئهم فالكاف منصوب المحل على انها صفة مصدر محذوف { كذلك } اى مثل ذلك الايراء الفظيع وهو نزول العذاب عليهم وتبرى بعضهم من بعض { يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } اى ندمات شديدة فان الحسرة شدة الندم والكمد وهى تألم القلب وانحساره عما يؤلمه بحيث يبقى النادم كالحسير من الدواب وهو الذى انقطعت قوته فصار بحيث لا ينتفع به واصل الحسر الكشف ومن فات عنه ما يهواه وانكشف قلبه عنه يلزمه الندم والتأسف على فواته فلذلك عبر عن الحسرة التى هى انكشاف القلب عما يهواه بلازمه الذى هو الندم والرؤية ان كانت بصرية تكون حسرات حالا من اعمالهم والمعنى ان اعمالهم تنقلب حسرات عليهم فلا يرون اعمالهم الا حال كونها حسرات وان كانت قلبية فهى ثالث مفاعيل يرى وعليهم يتعلق اما بحسرات والمضاف محذوف اى على تفريطهم او بمحذوف منصوب على انه صفة لحسرات اى حسرات مستولية عليهم فان ما عملوه من الخيرات محبوطة بالكفر فيتحسرون لم ضيعوها ويتحسرون على ما فعلوه من المعاصى لم عملوها.
قال السدى ترفع لهم الجنة فينظرون اليها والى بيوتهم فيها لو اطاعوا الله فيقال لهم تلك مساكنكم لو اطعمتم الله ثم تقسم بين المؤمنين وذلك حين يندمون ويتحسرون { وما هم بخارجين من النار } لانهم خلقوا لاجلها ـ روى ـ انه يساق اهل النار الى النار لم يبق منهم عضوا الا لزمه عذاب اما حية تنهشه او ملك يضربه فاذا ضربه الملك هوى فى النار مقدار اربعين يوما لا يبلغ قرارها ثم يرفعه اللهب ويضربه الملك فيهوى فاذا بدا رأسه ضربه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب فاذا عطش احدهم طلب الشراب فيؤتى بالحميم فاذا دنا من وجهه سقط وجهه ثم يدخل فى فيه فتسقط اضراسه ثم يدخل بطنه فيقطع امعاءه وينضج جلده وهكذا يعذبون فى النار لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يخرجون.
قال سعيد بن جبير ان الله تعالى يأمر يوم القيامة من احرق نفسه فى الدنيا على ربوبية الاصنام ان يدخلوا جهنم مع اصنامهم فلا يدخلون لعلمهم ان عذاب جهنم على الدوام ثم يقول للمؤمنين بين ايدى الكفار ان كتنم احبائى فادخلوا جهنم فيقتحمون فيها وينادى مناد من تحت العرش والذين آمنوا اشد حبا لله لان الله احبهم اولا ثم احبوه ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته اتم قال تعالى
{ { يحبهم ويحبونه } [المائدة: 54] ومن لم يكن اهلا لمحبة الله ازلا طردته العزة الى محبة الانداد وهى كل ما يحب سوى الله فمن وكل الى المحبة النفسانية تعلقت محبته بملائم هوى النفس من الاصنام فكما ان الكفار بعضهم يحبون اللات ويعبدونها وبعضهم يحبون الاولاد ويعبدونها فمحبة الاولاد والازواج والاموال تمنع عن محبة الله ومن احب الله يرى ما سواه بنظر العداوة كما قال الخليل عليه السلام فانهم عدو لى الا رب العالمين ومن كان فى الازل اهلا لمحبة الله جذبته العناية فتجلى له الحق فانعكست تلك المحبة لمرآة قلبه فلا تتعلق بغير الله لانها من عالم الوحدة فلا تقبل الشركة والاعداء احبوا الانداد بمحبة فانية نفسانية والاحباء احبوا الله بمحبة باقية ربانية بل احبوه بجميع اجزائهم الفانية والباقية اللهم اوصلنا الى حقيقة المحبة واليقين والتمكين.