التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
١٧٦
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ذلك } العذاب بالنار { بأن الله } اى بسبب انه { نزل الكتاب } اى جنس الكتاب { بالحق } اى حال كونه ملتبسا بالحق فلا جرم يكون من يرفضه بالتكذيب والكتمان ويركب متن الجهل والغواية مبتلى بمثل هذا من افانين العذاب { وإن الذين اختلفوا فى الكتاب } اى فى جنس الكتاب الالهى بان آمنوا ببعض كتب الله وكفروا ببعضها او فى التوراة بان آمنوا ببعض آياتها وكفروا ببعض كالآيات المغيرة المشتملة على امر بعثه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ونعوته الكريمة او فى القرآن بان قال بعضهم انه شعر وبعض سحر وبعض كهانة { لفى شقاق بعيد } اى خلاف بعيد عن الحق والصواب مستوجب لاشد العذاب.
اعلم ان فى هذه الآيات وعيدا عظيما لكل من يكتم الحق لغرض فاسد دنيوى فليحذروا اى العلماء ان يكتموا الحق وهم يعلمون وانما يكتمونه عن الملوك والامراء والوزراء وارباب الدنيا اما خوفا من اتضاع مرتبتهم ونقصان قدرهم عندهم واما طموحا الى احسانهم او لانهم شركاؤهم فى بعض احوالهم من حب الدنيا وجمعها والحرص فى طلبها او طلب مناصبها وحب رياستها او بالتنعم فى المأكول والمشروب والملبوس والمركوب والمسكن والاوانى وآلات البيت والامتعة والزينة فى كل شىء والخدم والخيول وغير ذلك فعند ذلك يداهنون ويأكلون ثمنا قليلا ولا يأكلون الا نار الحرص والشهوة والحسد التى تطلع على الافئدة وتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
واعلم ان فى كل عمل وفعل وقول يصدر من العبد على خلاف الشرع شررا يجتنى من نار السعير فتحصل فى قلب العبد تلك النار فى الحال وفى التى تصدر من العبد على وفق الشرع شررا يجتنى من نار المحبة فتظهر فى القلب فتحرق كل محبوب غير الله فى قلب كما ان نار السعير تحرق فى القلب الحسنات والاخلاق الحميدة فيأكلون نارا فى الحال وانما قال ما يأكلون فى بطونهم الا النار لان فسادهم كان فى باطل فكان عذابهم فى البطون وانما لا يكلمهم الله يوم القيامة لانهم كتموا كلام الله فى الدنيا ولا تكلموه بالصدق فكان جزاء سيئة سيئة مثلها وانما لا يزكيهم لان تزكية النفس للانسان مقدرة من الايمان والاعمال الصالحة بصدق النية من تهذيب الاخلاق بآداب الشرع فاولئك المداهنون من العلماء هم الذين اشتروا حب الدنيا بهدى اظهار الحق وآثروا الخلق على الحق والمداهنة على افضل الجهاد قال عليه السلام
"ان افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائرbr>" . وانما كانت افضل لان الجهاد بالحجة والبرهان جهاد أكبر بخلاف الجهاد بالسيف والسنان فانه جهاد اصغر ومدار كتمان الحق حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة.
قال الحسن ان الزبانية الى فسقة حملة القرآن اسرع منهم عبدة الاوثان فيقولون ربنا ما بالنا يتقدمون الينا فيقول الله ليس من يعلم كمن لا يعلم فمن اشترى الدنيا بالدين فقد وقع فىخسران مبين وكان دائما فى منازعة الشيطان ـ كما حكى ـ ان رجلا قال للشيخ ابى مدين ما يريد منا الشيطان شكاية منه فقال الشيخ انه جاء قبلك وشكا منك وقال اعلم انه سيشكونى ولكن الله ملكنى الدنيا فمن نازعنى فى ملكى لا اتسلى بدون ايمانه فمن كف يده عن الدنيا وزينتها فقد استراح من تعبها ومحنتها ـ وحكى ـ ان ذا القرنين اجتاز على قوم تركوا الدنيا وجعلوا قبور موتاهم على ابوابهم يقتاتون بنبات الارض ويشتغلون بالطاعة فأرسل ذو القرنين الى ملكهم فقال ما لى حاجة الى صحبة ذى القرنين فجاء ذو القرنين فقال ما سبب قلة الذهب والفضة عندكم قال ليس للدنيا طالب عندنا لانها لا تشبع احدا فجعلنا القبور عندنا حتى لا ننسى الموت ثم اخرج رأس انسان وقال هذا رأس ملك من الملوك كان يظلم الرعية ويجمع حطام الدنيا فقبضه الله تعالى وبقى عليه السيآت ثم اخرج رأسا آخر وقال ايضا هذا رأس ملك عادل مشفق فقبضه واسكنه جنته ورفع درجته ثم وضع يده على رأس ذى القرنين وقال من أى الرأسين يكون رأسك فبكى ذو القرنين وقال ان ترغب فى صحبتى شاطرتك مملكتى وسلمت اليك وزارتى فقال هيهات وقال ذو القرنين ولم قال لان الناس اعداؤك بسبب المال والمملكة وجميعهم احبابى بسبب القناعة: قال السعدى قدس سره

در كوشه قناعت نان باره وبينه دربيش اهل معنى بهتر زصد خزينه