التفاسير

< >
عرض

كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٢١٦
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ كتب } اى فرض { عليكم القتال } اى قتال الكفرة والجمهور على ان الجهاد فرض على الكفاية مثل صلاة الجنازة ورد السلام { وهو } اى والحال ان القتال { كره لكم } شاق عليكم مكروه فالكره مصدر بمعنى الكراهة نعت به للمبالغة كأن القتال فى نفسه كراهة لفرط كراهتهم له وهذه الكراهة من حيث نفور الطبع منه لما فيه من مؤونة المال ومشقة النفس وخطر الروح لا انهم كرهوا امر الله تعالى وكراهة الطبع لا توجب الذم بل تحقق معنى العبودية اذا فعل ذلك اتباعا للشرع مع نفرة الطبع فاما كراهة الاعتقاد فهى من صفات المنافقين { وعسى أن تكرهوا شيئا } وهو جميع ما كلفوه من الامور الشاقة التى من جملتها القتال { وهو خير لكم } لان فى الغزو احدى الحسنيين اما الظفر والغنيمة واما الشهادة والجنة. وعسى كلمة تجرى مجرى لعل وهى من العباد للترجى ومن الله للترجية { وعسى أن تحبوا شيئا } وهو جميع ما نهوا عنه من الامور المستلذة التى من جملتها القعود عن الغزو { وهو شر لكم } لما فيه من فوات الغنيمة والاجر وغلبة الاعداء وتخريب الديار { والله يعلم } ما هو خير لكم دينا ودنيا فلذا يأمركم به { وأنتم لا تعلمون } ذلك ولذلك تكرهونه: قال فى المثنوى

ما التصوف قال وجدان الفرح فى الفؤاد عند اتيان الترح
جمله در زنجير بيم و ابتلا ميروند اين ره بغير اوليا

يعنى ان المقلد يجرى الى الحضرة بالاضطرار بخلاف الولى.
قال ذو النون المصرىرحمه الله انما دخل الفساد على الخلق من ستة اشياء. الاول ضعف النية بعمل الآخرة. والثانى صارت ابدانهم رهينة لشهواتهم. والثالث غلب عليهم حلول الامل مع قرب الاجل. والرابع آثروا رضى المخلوقين على رضى الخالق. والخامس اتبعوا اهواءهم ونبذوا سنة نبيهم وراء ظهورهم. والسادس جعلوا قليل زلات السلف حجة انفسهم ودفنوا كثير مناقبهم.
فعلى العاقل ان يجاهد مع النفس والطبيعة ليرتفع الهوى والشهوات والبدعة ويتمكن فى القلوب حب العمل بالكتاب والسنة.
قال ابراهيم الخواصرحمه الله كنت فى جبل لكام فرأيت رمانا فاشتهيته فدنوت فأخذت منه واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركتها فرأيت رجلا مطروحا قد اجتمع عليه الزنابير فقلت السلام عليك فقال وعليك السلام يا ابراهيم فقلت كيف عرفتنى فقال من عرف الله لا يخفى عليه شىء فقلت له ارى لك حالا مع الله فلو سألته ان يحميك ويقيك الاذى من هذه الزنابير فقال وارى لك حالا مع الله فلو سألته ان يقيك شهوة الرمان فلدغ الرمان يجد الانسان ألمه فى الآخرة ولدغ الزنابير يجد ألمه فى الدنيا فتركته ومشيت: قال السعدى قدس سره

مبر طاعت نفس شهوت برست كه هر ساعتش قبله ديكرست
كند مردرا نفس اماره خوار اكرهوا شمندى عزيزش مدار

وفى التأويلات القاشانية { كتب عليكم القتال } قتال النفس والشيطان { وهو كره } مكروه { لكم } مر أمر من طعم العلقم واشد من ضغم الضيغم. وحقيقة الجهاد رفع الوجود المجازى فانه الحجاب بين العبد والرب كما قيل وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر وكما قال ابن منصور

بينى وبينك انى قد يزاحمنى فارفع بجودك لى انى من البين

{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } لاحتجابكم بهوى النفس وحب اللذة العاجلة عما فى ضمنه من الخير الكثير واللذة العظيمة الروحانية التى تستحقر تلك الشدة السريعة الانقضاء بالقياس الى ذلك الخير الباقى واللذات السرمدية { وعسى أن تحبوا شيئا } من اللذات الجسمانية وتمتعات النفس { وهو شر لكم } للنفس بحرمانها من اللذات الروحانية { والله يعلم } ان فى كراهة النفوس ما اودع من راحة القلوب { وأنتم لا تعلمون } ان حياة القلوب فى موت النفوس وفى حياة النفوس موت القلوب كما قال قدس سره

اقتلونى اقتلونى يا ثقات ان فى قتلى حياتا فى حيات
خنجر وشمشير شدريحان من مرك من شدبزم ونركسدان من