التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يسألونك } قال ابن عباس رضى الله عنهما ما رأيت قوما كانوا خيرا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه الا عن ثلاث عشرة مسألة كلها فى القرآن ما كانوا يسألونه الا عما ينفعهم وينفع المسلمين { عن الخمر } اى عن حكم تعاطيها بقرينة الجواب لان الحل والحرمة والاثم والطاعة انما هى من عوارض افعال المكلفين ولا اثم فى ذوات الاشياء واعيانها ويدخل فى تعاطى الخمر البيع والشراء وغيرهما مما يدخل تحت التصرف على خلاف الشرع. والخمر مصدر خمره اى ستره سمى به من عصير العنب ما غلى واشتد وقذف بالزبد لتغطيتها العقل والتمييز كأنها نفس الستر كما سميت سكرا لانها تسكرهما اى تحجزهما { و } عن تعاطى { الميسر } مصدر ميمى من يسر كالموعد والمرجع يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه اما من اليسر لانه اخذ المال بيسر من غير كد وتعب واما من اليسار لانه سلب له ويدخل فيه جميع انواع القمار والشطرنج وغيرهما حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب { قل فيهما } اى فى تعاطى الخمر والميسر واستعمالهما { إثم كبير } لما ان الاول مسلبة للعقول التى هى قطب الدين والدنيا مع كون كل منهما متلفة للاموال { ومنافع للناس } من كسب الطرب والمغالاة بثمن الخمر اذا جلبوها من الاطراف وفيها تقوية الضعيف وهضم الطعام والاعانة على الباءة اى الجماع وتسلية المحزون وتشجيع الجبان وتسخية البخيل وتصفية اللون وانطاق الفتى العى وتهييج الهمة. ومنافع الميسر اصابة المال من غير كد ولا تعب وانتفاع الفقراء بلحم الجزور فانهم كانوا يفرقونها على المحتاجين.
قال الواقدى وربما قمر الواحد منهم فى مجلس مائة بعير فيصيب مالا عظيما بلا نصب ولا ثمن ثم يعطيه المحتاجين فيكتسب المدح والثناء { وإثمهما اكبر من نفعهما } وفى الخمر ايقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهى تسفه الحليم ويصير شاربها بحيث يلعب ببوله وعذرته وقيئه كما ذكر ابن ابى الدنيا انه مر على سكران وهو يبول فى يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضىء ويقول الحمد الله الذى جعل الاسلام نورا والماء طهورا. وفى الميسر انه اذا ذهب ماله من غير عوض ساءه ذلك فعادى صاحبه وقصده بالسوء.
قال المفسرون تواردت فى الخمر اربع آيات نزلت بمكة
{ { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } [النحل: 67] فطفق المسلمون يشربونها وهى لهم حلال يومئذ ثم ان عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم قالوا افتنا يا رسول الله فى الخمر فانها مذهبة للعقل فنزلت { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية فشربها قوم وقالوا نأخذ منفعتها ونترك اثمها وتركها آخرون وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه اثم كبير ثم ان عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه دعا ناسا منهم فشربوا وسكروا قام احدهم فقرأ قل يا ايها الكافرون اعبد ما تعبدون الى آخر السورة بدون لا فى لا اعبد فنزلت { { لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى } [النساء: 43] الآية.
فقل من يشربها وقالوا لا خير فى شىء يحول بيننا وبين الصلاة وشربها قوم فى غير حين الصلاة حتى كان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد الصبح فيصحوا اذا جاء وقت الظهر ثم اتخذ عتبان بن مالك ضيافة ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا منها ثم انهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار فانشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه فاخذ رجل لحى البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد الى رسول الله وشكا اليه الانصارى فقال عمر اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا فنزل
{ { إنما الخمر والميسر } [المائدة: 90].
فى المائدة الى قوله
{ { فهل أنتم منتهون } [المائدة: 91].
فقال عمر انتهينا يا رب. وحرمت الخمر فى السنة الثالثة من الهجرة بعد غزوة الاحزاب بايام.
قال القفال والحكمة فى وقوع التحريم على هذا الترتيب انه تعالى علم ان القوم كانوا ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم به كثيرا وعلم انه لو منعهم دفعة واحدة لشق عليهم فلا جرم استعمل فى التحريم هذا التدريج وهذا الرفق ثم لما نزل التحريم اريقت الخمر.
قال ابن عمر رضى الله عنهما خرجنا بالحباب الى الطريق فمنا من كسر حبه ومنا من غسله بالماء والطين ولقد غودرت ازقة المدينة بعد ذلك حينا كلما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت منها ريحها وحرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش اعجب منها وما حرم الله عليهم شيأ اشد من الخمر ـ روى ـ ان جبريل عليه السلام قال للنبى عليه السلام ان الله تعالى شكر لجعفر الطيار رضى الله عنه اربع خصال كان عليها فى الجاهلية وهو عليها فى الاسلام فسأل النبى عليه الصلاة والسلام جعفرا عن ذلك فقال يا رسول الله لولا ان الله اطلعك عليها لما اخبرتك بها ما شربت الخمر قط لانى رأيتها تزيل العقل وانا الى ان ازيد فيه احوج منى الى ان ازيله. وما عبدت صنما قط لانى رأيته لا يضر ولا ينفع. وما زنيت قط لغيرتى على اهلى. وما كذبت قط لانى رأيته دناءة.
قال عمرو ابن الادهم من اكابر سادة بنى تميم ذاما للخمر لو كان العقل يشترى ما كان شىء انفس منه فالعجب لمن يشترى الحمق بماله فيدخله فى رأسه فيقىء فى جيبه ويسلح فى ذيله.
وعن على رضى الله عنه لو وقعت قطرة فى بئر فبنيت فى مكانها منارة لم اوذن عليها ولو وقعت فى بحر ثم جف فنبت فيه الكلأ لم ارعه.
وعن ابن عمر رضى الله عنهما لو ادخلت اصبعى فيها لم تتبعنى وهذا هو الايمان والتقى حقا فينبغى للمسلم ان لا يخطر بباله شرب الخمر فضلا عن شربها وينقطع شاربها فانه اذا خالط شارب الخمر يخاف عليه ان يصيبه من عثاره: قال الحسين الواعظ الكاشى

ترار حمان همى كويدكه اى مؤمن مخورباده ترا ترسا همى كويدكه درصفرا مخور حلوا
نمى مانى زنا باكى براى كفته رحمان بمانى شهد وشكررا براى كفته ترسا

وعن بعض الصحابة انه قال من زوج ابنته لشارب الخمر فكأنما ساقها الى الزنى معناه ان شارب الخمر يقع منه الطلاق وهو لا يشعر. فالذى يجب على الولى ان لا يزوج ابنته ولا اخته من فاسق ولا ممن يتعاطى المنكرات.
واعلم ان خل الخمر حلال ولو بعلاج كالقاء الماء الحار او الملح او الخبز ولا يكره تخليلها وفى الحديث
"خير خلكم خل خمركم" هذا هو البيان فى الخمر.
واما الميسر فهو القمار والياسر القامر وكان اصل الميسر فى الجزور وذلك ان اهل الثروة من العرب كانوا يشترون جزور او يضمنون ثمنه ولا يؤدونه ليظهر بالقمار انه على من يجب فينحرونها ويجزئونها عشرة اجزاء وقيل ثمانية وعشرين ثم يسهمون عليها بعشرة قداح يقال لها الازلام والاقلام سبعة منها لها انصباء الفذ وله نصيب واحد والتوأم وله نصيبان والرقيب وله ثلاثة والحلس وله اربعة والنافس وله خمسة والمسبل وله ستة والمعلى وله سبعة وثلاثة منها لا انصباء لها وهى المنيح والسفيح والوغد ثم يجعلون القداح فى خريطة تسمى الربابة ويضعونها على يدى عدل عندهم يسمى المجيل والمفيض ثم يجيلها ويجلجلها اى يحركها باليد ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا قدحا فمن خرج له قدح من ذات الانصباء اخذ النصيب المعين له ومن خرج له قدح مما لا نصيب له وهو الثلاثة لم يأخذ شيأ وغرم ثمن الجزور وكانوا يدفعون تلك الانصباء الى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لا يدخل فيه ويسمونه البرم وهو اللئيم العديم المروءة والكرم فهذا اصل القمار الذى كانت العرب تفعله فنهى المسلمون عنه.
واختلف فى الميسر هل هو اسم لذلك القمار المعين او هو اسم لجميع انواع القمار.
فقال بعض العلماء المراد من الآية جميع انواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما.
وروى أن رجلا خاطر رجلا على ان يأكل كذا كذا بيضة على كذا كذا من المال فقال على رضى الله عنه هذا قمار.
وعن ابن سيرين كل شىء فيه خطر فهو من الميسر وعن النبى عليه السلام
"اياكم وهاتين الكعبتين المشئومتين فانهما من مياسر العجم" يريدان النرد والشطرنج ميسر يشير به الى انهما حرام.
واما السبق فى الخف والحافر والنشاب فخص بدليل: قال السعدى قدس سره

كهل كشتى و همجنان طفلى شيخ بودىو همجنان شابى
توببازى نشسته درجب وراست ميرسد نير جرخ برتابى
جاى كريه است برمصيبت بير كه توكودك هنوز لعابى

والاشارة فى الآية ان خمر الظاهر كما يتخذ من اجناس مختلفة من العنب والتمر والزبيب والحبوب كالحنطة والشعير والذرة فكذلك خمر الباطل من اجناس مختلفة كالغفلة والشهوة والهوى وحب الدنيا وامثالها وهذه خمور تسكر منها النفوس والعقول الانسانية وفيها اثم كبير ولهذا كل مسكر حرام وما يسكر كثيره فقليله حرام. ومنها ما يسكر القلوب والارواح والاسرار فهو شراب الواردات فى اقداح المشاهدات من ساقى تجلى الصفات فاذا دارت على النفوس وانخمدت شهواتها وسكرت القلوب بالمواجيد عن المواحيد والارواح بالشهود عن الوجود والاسرار بلحظ الجمال عن ملاحظة الكمال فهذا شراب نافع للناس حلال فالعجب كل العجب ان قوما اسكرهم وجود الشراب وقوما اسكرهم شهود الساقى كقولهم

فاسكر القوم دور كأس وكان سكرى من المدير

وفى المثنوى

ما اكر قلاش اكر ديوانه ايم مست آن ساقى و آن بيمانه ايم
مست مى هشيار كردد ازدبور مست حق نايد بخود ازنفخ صور
جرعه جون ريخت ساقئ الست برسراين شوره خاك زير دست
جوش كرد آن خاك وما زان جوششيم جرعه ديكر كه بس بى كوششيم

واتم الاعراض عن كؤس الوصال فى النهاية اكبر من نفع الطلب الف سنة فى البداية وكما ان سكران الخمر ممنوع من الصلاة فسكران الغفلة والهوى محجوب عن المواصلات واما اثم الميسر فهو ان آثار القمار هى شعار اكثر الديار فى سلوك طريق الحيل والخداع بالفعل والكذب والفحش فى المقال وانه كبير عند الاخيار بعيد عن خصال الابرار واما نفعه فعدم الالتفات الى الكونين وبزل نقوش العالمين فى فردانية نقش الكعبتين واثمهما اكبر من نفعهما لان اثمهما للعوام ونفعهما للخواص والعوام اكثر من الخواص وقليل ما هم كذا فى التأويلات النجمية قدست نفسه الزكية { ويسألونك ماذا ينفقون } هو كما يصلح سؤالا عن جنس المنفق يصلح سؤالا عن كميته وقدره فانه لما نزل قوله تعالى { { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين } [البقرة: 215].
قال عمرو بن الجموح ما انفق فنزل قوله { قل العفو } اى انفقوا العفو وهو نقيض الجهد وهو المشقة ونقيضه اليسر والسهولة فكأنه قيل قل انفق ما سهل وتيسر ولم يشق عليك انفاقه فالعفو من المال ما يسهل انفاقه والجهد من المال ما يعسر انفاقه والقدر المنفق انما يكون انفاقه سهلا اذا كان فاضلا عن حاجة نفسه وعياله ومن عليه مؤونته { كذلك } اى مثل ما بين ان العفو اصلح من الجهد والكاف فى محل النصب صفة لمصدر محذوف اى تبيينا مثل هذا التبيين وافراد حرف الخطاب مع تعدد المخاطبين باعتبار القبيل او الفريق او القوم مما هو مفرد اللفظ ومجموع المعنى { يبين الله لكم الآيات } الدالة على الاحكام الشرعية لا بيانا ادنى منه وتبيين الآيات تنزيلها مبينة الفحوى واضحة المدلول لا انه تبيينها بعد ان كانت مشتهبة وملتبسة { لعلكم تتفكرون فى الدنيا والآخرة } اى لكى تتفكروا فى امور الدارين فتأخذوا بما هو اصلح لكم واسهل فى الدنيا وانفع فى العقبى وتتجنبوا عما يضركم فى العقبى.
قال البغوى يبين الله لكم الآيات فى امر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون فى زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا وفى اقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها وهذه الآية ترغب فى التصدق لكن بشرط ان يكون ذلك من فضل المال وعفوه وعن النبى عليه السلام
"ان رجلا اتاه ببيضة من ذهب اصابها فى بعض المغازى فقال يا رسول الله خذها منى صدقة فوالله لقد اصبحت ما املك غيرها فاعرض عنه رسول الله فاتاه من الجانب الايمن فقاله مثله فاعرض عنه ثم اتاه من الجانب الايسر فاعرض عنه فقال هاتها مغضبا فاخذها منه فحذفها حذفا لو اصابه لشجه او عقره ثم قال يجيئ احدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس انما الصدقة عن ظهر غنى خذها فلا حاجة لنا فيهاbr>" . وفى لفظ العفو اشارة الى ان ما يعطيه المرء ينبغى ان يعفو اثره عن قلبه عند الانفاق يعنى بطيب القلب لان اصل العفو المحو والطمس ثم الاخراج عن فاضل الاموال على قدر الكفاية طريقة الخواص. فاما خاص الخاص فطريقهم الايثار وهو ان يؤثر غيره على نفسه وبه فاقه الى ما يخرج وان كان صاحبه الذى يؤثر به غنيا قال الله تعالى { { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } [الحشر: 9].
وعن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال
"امرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان نتصدق ووافق ذلك مالا عندى فقلت اليوم اسبق ابا بكر رضى الله عنه فجئت بنصف مالى فتصدقت به فقال لى رسول الله ما ابقيت لاهلك يا عمر قلت نصف مالى يا رسول الله ثم قال لابى بكر ما ابقيت لاهلك قال ابقيت لهم الله ورسواله فقلت لا اسابقك بشىء بعدها روى ان النبى عليه السلام قال عند ذلك ما بينكما ما بين كلاميكماbr>" . ومنه يعرف فضل ابى بكر على عمر لكن الفاضلية من وجه لا تنافى المفضولية من وجه آخر فان الكامل ليس يلزمه ان يكون كاملا فى جميع الامور وانما التقدم والتأخر بالنظر الى العلم بالله.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره كان ابو بكر غالب المعرفة وعمر غالب الشريعة وعثمان غالب الطريقة وعلى غالب الحقيقة وان كانوا كاملين فى المراتب الاربع انتهى كلامه: قال الحسين الواعظ الكاشى

مايه توفيق كرم كردن است كنج يقين ترك درم كردن است
زادره مرك زنان دادن است زندكى عشق زجان دادن است

فسخاوة العوام اعطاى المال وسخاوة الخواص بذل الروح وهو قليل

هست جوانمرد درم صد هزار كار جو باجان فتد آنست كار

وحث النبى عليه السلام اصحابه على الصدقة فجعل الناس يتصدقون وكان ابو امامة الباهلى جالسا بين يديه عليه السلام وهو يحرك شفتيه فقال له النبى عليه السلام "ماذا تقول حيث تحرك شفتيكbr>" . قال انى ارى الناس يتصدقون وليس معى شىء اتصدق به فاقول فى نفسى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم "هؤلاء الكلمات خير لك من مد ذهبا تتصدق به على المساكين" .

تازنده ايم ذكر لبش در زبان ماست يا دش انيس ومونس جان وروان ماست

ـ يروى ـ ان اول من قال سبحان الله جبريل عليه السلام وذلك انه لما خلقه الله وقع نظره على العرش وعظمته فقال سبحان الله فمن قالها نال ثواب جبريل. واول من قال الحمد لله آدم الصفى عليه الصلاة والسلام حين نفخ فيه الروح فمن قالها نال نصيبا من فضل آدم. واول من قال لا اله الا الله نوح النجى عليه السلام حين مشاهدة الطوفان وشدة البلاء فمن قالها اخذ حظا وافرا من ثواب نوح. واول من قال الله اكبر ابراهيم الخليل عليه السلام حين شاهد فداء اسماعيل وهو الكبش فمن قالها نال فيضا من فيض ابراهيم اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين آمين يا رب العالمين { ويسألونك عن اليتامى } اى عن مخالطتهم لان السؤال عن الشىء ينصرف الى ما هو معظم المقصود منه وهو ههنا المخالطة والكفالة وذلك بعد نزول قوله تعالى { { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } [النساء: 10].
فتركوا مخالطتهم ومؤاكلتهم حتى لو كان عند رجل يتيم يجعل له بيتا على حدة وطعاما على حدة وعزلوا اموال اليتامى عن اموالهم وكان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شىء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد فاشتد ذلك عليهم فقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله ما لكلنا منازل يسكنها اليتامى ولا كلنا نجد طعاما وشرابا نفردهما لليتيم فزلت هذه الآية { قل اصلاح لهم } اى مداخلتهم على وجه الاصلاح لهم ولاموالهم { خير } من مجانبتهم وترك الخلطة والنظر عليهم. واصلاح مصدر حذف فاعله تقديره واصلاحكم لهم خير للجانبين اى جانبى المصلح والمصلح له اما الاول فلما فيه من الثواب واما الثانى فلما فيه من توافر اموال اليتامى والتزايد { وان تخالطوهم } وتعاشروهم على وجه ينفعهم { فاخوانكم } اى فهم اخوانكم فى الدين الذى هو اقوى من العلاقة النسبية ومن حق الاخ ان يخالط الاخ بالاصلاح والنفع.
قال ابن عباس رضى الله عنهما المخالطة ان تأكل من تمره ولبنه وقصعته وهو يأكل من تمرك ولبنك وقصعتك وهذا اذا اصاب من مال اليتيم بقدر عمله له او دونه فلا يزيد على اجر مثله وقد قال تعالى
{ { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } [النساء: 6].
وقد تكون المخالطة بخلط المال وتناول الكل منه وهو منهى شرعا.
قال ابو عبيد هذه الآية عندى اصل لما يفعله الرفقاء فى الاسفار فانهم يتخارجون النفقات بينهم بالسوية وقد يتفاوتون فى قلة المطعم وكثرته وليس كل من قل مطعمه تطيب نفسه بالتفضل على رفيقه فلما كان هذا فى اموال اليتامى واسعا كان فى غيرهم اوسع ولولا ذلك لخفت ان يضيق فيه الامر على الناس وقد حملت المخالطة على المصاهرة وهو ان يكون ابنا فيزوجه ابنته او تكون بنتا فيزوجها ابنه فتتأكد الالفة ويخلطه بنفسه وبعشيرته ايناسا لوحشته وازالة لوحدته وهو مروى عن الحسن { والله يعلم } بمعنى المعرفة المتعدية الى واحد { المفسد } لمال اليتيم { من المصلح } لماله اى لا يخفى على الله من داخلهم بافساد واصلاح فيجازيه على حسب مداخلته فاحذروه ولا تتحروا غير الاصلاح وفى تقديم المفسد مزيد تهديد ومن لتضمين العلم معنى التمييز اى يعلم من يفسد فى امورهم عند المخالطة مميزا له ممن يصلح فيها { ولو شاء الله } اعناتكم وهو الحمل على ولا يطيقه { لاعنتكم } لحملكم على العنت وهو المشقة فلم يطلق لكم مداخلتهم يقال عنت فلان اذا وقع فى امر يخاف منه التلف { إن الله عزيز } غالب يقدر على الاعنات { حكيم } يحكم ما تقتضيه الحكمة وتسع له الطاقة وهو دليل على ما يفيده كلمة لو من انتفاء مقدمها.
واعلم ان مخالطة الايتام من اخلاق الكرام وفى الترحم عليهم فوائد جمة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
"من وضع يده على رأس يتيم ترحما عليه كانت له بكل شعرة تمر عليها يده حسنةbr>" . وفى الحديث "ثلاثة فى ظل عرش الله يوم القيامة امرأة مات عنها زوجها وترك عليها يتامى صغارا فخطبت فلم تتزوج وقالت اقيم على اليتامى حتى يغنيهم الله او يموتbr>" . يعنى اليتيم "او هى ورجل له مال صنع طعاما فاطاب صنيعه واحسن نفقته فدعا اليه اليتيم والمسكين وواصل الرحم يوسع له فى رزقه ويمد له فى اجله ويكون تحت ظل عرشهbr>" . قال الله تعالى (يا موسى كن لليتيم كالاب الرحيم وكن للارامل كالزوج الشفيق وكن للغريب كالاخ الرفيق اكن لك كذلك): قال الحافظ

تميار غريبان سبب ذكر جميلست جانا مكراين قاعده درشهر شمانيست

وفى الحديث "انا وكافل اليتيمbr>" . اى القائم بمصالحه سواء كان من مال نفسه ام من مال اليتيم وسواء كان اليتيم قريبا ام لا "كهاتين فى الجنةbr>" . واشار بالسبابة والوسطى يعنى ان كافل اليتيم يكون فى الجنة مع حضرة النبى عليه الصلاة والسلام لا ان درجته تبلغ درجته: قال الشيخ سعدى قدس سره

جو بينى يتيمى سرافكنده ييش مده بوسه برروى فرزند خويش
ألا تانكريد كه عرش عظيم بلرزد همى جون بكريد يتيم

ويجتنب كل الاجتناب عن اخلال حق من حقوقه واكل حبة من ماله وعن ظلمه وقهره ـ يحكى ـ ان رستم بن زال بارز مع اسنفديار فلم يقدر عليه مع زيادة قوته وكان اسفنديار يجرحه فى كل حمل دون رستم وكان بدن اسفنديار كجلد السمك لا يعمل فيه شىء ثم ان رستم تشاور مع ابيه زال فى ذلك فقال له ابوه انك لا تقدر عليه الا ان تعمل سهما ذا فقارين وتصيب به عينى اسفنديار ففعل ذلك فرمى فاصاب فغلب عليه بذلك فيحكى فى سبب ذلك ان اسفنديار كان قد ضرب فى شبيبته يتيما بغصن ففقأ به عينه وابكاه ثم ان اليتيم اخذ ذلك الغصن وغرسه فلما صار شجرا اخذ رستم غصنا من اغصانه ونحت منه سهمه الذى اصاب به عينى اسنفديار.
ويؤدب اليتيم الذى فى حجره كتأديبه ولده فانه مسئول عنه يوم القيامة ويصلح حاله.
والتأديب على انواع. منها الوعيد. ومنها الضرب. ومنها حبس المنافع والعطية والبر فان بين النفوس تفاوتا فنفس تخضع بالغلظة والشدة ولو استعملت معها الرفق والبر لافسدها ونفس بالعكس وقد جعل الله الحدود والتعزير لتأديب العباد على قدر ما يأتون من المنكر فادب الاحرار الى السلطان وادب المماليك والاولاد الى السادات والآباء وهو مأجور على التأديب ومسئول عنه قال الله تعالى
{ { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } [التحريم: 6].
وفى الحديث
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيتهbr>" . وفى قوله تعالى { وإن تخالطوهم فإخوانكم } [البقرة: 220].
اشارة الى ان المرء ينبغى ان يتعود الاكل مع الناس فان شر الناس من اكل وحده وفى الحديث
"ان من احب الطعام الى الله ما كثرت عليه الايدىbr>" . ذكره فى العوارف وذكر فى المصابيح "ان اصحاب النبى عليه السلام قالوا يا رسول الله انا نأكل ولا نشبع قال لعلكم تفترقون قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالىbr>" . ومن اللطائف ما يحكى انه قيل لجمين صاحب النوادر أتغديت عند فلان قال لا ولكن مررت ببابه وهو يتغدى فقيل كيف علمت قال رأيت غلمانه بايديهم قسى البنادق يرمون الطير فى الهواء قيل لبخيل من اشجع الناس فقال من يسمع وقع اضراس الناس فلا تنشق مرارته وفى الحديث "من اضاف مؤمنا فكأنما اضاف آدم ومن اضاف اثنين فكانما اضاف آدم وحواء" كذا فى الرسالة العلية لحسين الواعظ.