التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ
٢٣
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا } اى فى شك من القرآن الذى نزلناه على محمد صلى الله عليه وسلم فى كونه وحيا منزلا من عند الله تعالى.
والتنزيل النزول على سبيل التدريج وانزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا الى بيت العزة ثم منه على النبى صلى الله عليه وسلم مفرقا منجما فى ثلاث وعشرين سنة ليحفظ فانه عليه الصلاة والسلام كان اميا لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الانبياء فانه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع من الكتاب ولذا قالوا ان سائر الكتب الآلهية انزلت جملة { فاتوا } جواب الشرط وهو امر تعجيز { بسورة } وحد السورة قطعة من القرآن معلومة الاول والآخر اقلها ثلاث آيات. وانما سميت سورة لكونها اقوى من الآية من سورة الاسد والشراب اى قوته هذا ان كانت واوها اصلية وان كانت منقلبة عن همزة فهى مأخوذة من السؤر الذى هى البقية من الشئ فالسورة قطعة من القرآن مفرزة باقية من غيرها { من مثله } اى سورة كائنة من مثل القرآن في البيان الغريب وعلو الطبقة فى حسن النظم فالضمير لما نزلنا اى ائتوا انتم بمثل ما اتى هو ان كان الامر كما زعمتم من كونه كلام البشر اذا انتم وهو سواء فى الجوهر والخلقة واللسان وليس هو اولى بالاختلاق منكم ثم القرآن وان كان لامثل له لانه صفة الله وكلام الله ووحى الله ولا مثل لصفاته كما لا مثل لذاته لكن معناه من مثله على زعمكم فقد كانوا يقولون لو شئنا لقلنا مثل هذا كما فى التيسير { واعدوا شهداءكم } جمع شهيد بمعنى الحاضر او القائم بالشهادة والناصر { من دون الله } اما متعلقة بادعوا فالمعنى ادعوا متجاوزين الله من حضركم كائنا من كان للاستظهار فى معارضة القرآن او الحاضرين فى مشاهدكم ومحاضركم من رؤسائكم واشرافكم الذين تفرزعون اليهم فى الملمات وتعولون عليهم فى المهمات او القائمين بشهادتكم الجارية فيما بينكم من امنائكم المتولين لاستخلاص الحقوق بتنفيذ القول عند الولاة او القائمين بنصركم حقيقة او زعما من الانس والجن ليعينوكم واما متعلقة بشهداءكم والمراد بهم الاصنام. ودون بمعنى التجاوز على انها ظرف مستقر وقع حالا من ضمير المخاطبين والعامل ما دل عليه شهداءكم اى ادعوا اصنامكم الذين اتخذتموهم آلهة وزعمتم انهم يشهدون لكم يوم القيامة انكم على الحق متجاوزين الله فى اتخاذها كذلك.
ودلت الآية على ان الاستعانة بالخلق لا تغنى شيأ وما يغنى رجوع العاجز عن العاجز فلا ترفع حوائجك الا الى من لا يشق عليه قضاؤها ولا تسأل الا من لا تفنى خزائنه ولا تعتمد الا على من لا يعجز عن شئ ينصرك من غير معين ويحفظك من كل جانب ومن غير صاحب ويغنيك من غير مال فيقل اعداد الاعداء الكثيرة اذا حماك ويكثر عدد المال القليل اذا كفاك { ان كنتم صادقين } فى ان محمدا تقوله من تلقاء نفسه وان آلهتكم شهداؤكم وهو شرط جوابه محذوف تقديره فافعلوا اى فائتوا بسورة من مثله.