التفاسير

< >
عرض

ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٢٨٥
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ آمن الرسول } اى صدق النبى عليه السلام { بما أنزل } اى بكل ما انزل { إليه من ربه } من آيات القرآن ايمانا تفصيليا متعلقا بجميع ما فيه من الشرائع والاحكام والقصص والمواعظ واحوال الرسل والكتب وغير ذلك من حيث انه منزل منه تعالى. والايمان بحقيقة احكامه وصدق اخباره ونحو ذلك من فروع الايمان به من الحيثية المذكورة ولم يرد به حدوث الايمان فيه بعد ان لم يكن كذلك لانه كان مؤمنا بالله وبوحدانيته قبل الرسالة منه ولا يجوز ان يوصف بغير ذلك لكن اراد به الايمان بالقرآن فانه قبل انزال القرآن اليه لم يكن عليه الايمان به وهو معنى قوله { { ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان } [الشورى: 52].
اى ولا الايمان بالكتاب فانه قال
{ { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب } [القصص: 86].
{ والمؤمنون } اى الفريق المعروفون بهذا الاسم وهو مبتدأ { كل } مبتدأ ثان { آمن } خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط بينهما الضمير الذى ناب منابه التنوين وتوحيد الضمير فى آمن مع رجوعه الى كل المؤمنين لما ان المراد بيان ايمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع وتغيير سبك النظم عما قبله لتأكيد الاشعار بما بين ايمانه صلى الله عليه وسلم المبنى على المشاهدة والعيان وبين ايمانهم الناشىء عن الحجة والبرهان من التفاوت البين والاختلاف الجلى كأنهما متخالفان من كل وجه حتى فى الهيئة الدالة عليهما اى كل واحد منهم آمن { بالله } وحده من غير شريك له فى الالوهية والمعبودية هذا ايمان اثبات وتوحيد { وملائكته } اى من حيث انهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بانزال الكتب والقاء الوحى وهذا ايمان تصديق انهما من عند الله وتحليل ما احله وتحريم ما حرمه { وكتبه ورسله } اى من الحيثية المذكورة وهذا ايمان اتباع واطاعة ولم يذكر الايمان باليوم الآخر لاندراجه فى الايمان بكتبه. وهذا على تقدير ان يوقف على قوله تعالى من ربه ويجعل والمؤمنون كلاما ابتدائيا واختاره ابو السعود العمادى. ويجوز ان يكون قوله والمؤمنون معطوفا على الرسول فيوقف عليه والضمير الذى عوض عنه التنوين راجع الى المعطوفين معا كأنه قيل آمن الرسول والمؤمنون بما انزل اليه من ربه ثم فصل ذلك. وقيل كل واحد من الرسول والمؤمنون آمن بالله خلا انه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناء بشأنه وايذانا باصالته صلى الله عليه وسلم فى الايمان به واختار الكواشى هذا الوجه حيث قال والاختيار الوقف على المؤمنون وهو حسن ليكون المؤمنون داخلين فيما دخل النبى صلى الله عليه وسلم فيه اى الايمان { لا نفرق } اى يقول الرسول والمؤمنون لا نميز { بين أحد من رسله } بان نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما قال اليهود والنصارى. واحد ههنا بمعنى الجمع اى الآحاد فلذلك اضيف اليه بين لانه لا يضاف الا الى المتعدد والاحد وضع لنفى ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتتح العدد والواحد الذى لا نظير له والوحيد الذى لا نصير له { وقالوا } عطف على آمن وصيغة الجمع باعتبار المعنى وهو حكاية لامتثالهم الاوامر اثر حكاية ايمانهم { سمعنا } اى فهمنا ما جاءنا من الحق وتيقنا بصحته { واطعنا } ما فيه من الاوامر والنواهى.
قيل لما نزلت هذه الآية قال جبرائيل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم ان الله قد أثنى عليك وعلى امتك فسل تعط فقال الرسول عليه السلام { غفرانك ربنا } اى اغفر لنا غفرانك كما قال
{ { فضرب الرقاب } [محمد: 4].
اى فاضربوا او نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة او ما لا يخلو عنه البشر من التقصير فى مراعاة حقوقك وهذا الوجه اولى لئلا يتكرر الدعاء بقوله فى آخر السورة واغفر لنا وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما ان تقديم الوسيلة على المسئول ادعى الى الاجابة والقبول { وإليك المصير } اى الرجوع بالموت والبعث لا الى غيرك.
قال القاشانى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } اى صدقه بقبوله والتخلق به كما قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن ومجرد قراءة القرآن بغير علم لا يفيد.
قال فى تفسير الحنفى مثاله ان السلطان اذا وهب لاحد من مماليكه امارة واعطاه رياسة او نيابة وكتب له توقيعا ان يطيعه اهل البلد كلها فاذا جاء الى البلد وقعد على المملكة واطاعه الخلق ثم ان السلطان كتب له كتابا وامر له فيه ان يبنى له قصرا او دارا واسعة حتى لو حضر السلطان وجاء الى تلك المدينة ينزل فى تلك الدار او القصر فوصل الكتاب اليه وهو لا يبنى ما امر به فى الكتاب لكنه يقرأه كل يوم فلو حضر السلطان ولم يجد ما امره به حاضرا هل يستحق ذلك الامير خلعه من السلطان او ثناء اولا بل ظاهره انه يستحق الضرب والشتم والحبس وكذلك القرآن انما هو مثل هو ذلك المنشور قد امر الله فيه لعبيده ان يعمروا أركان الدين كما قال لداود عليه السلام [فرغ الى بيتا اسكنه].
وبين لهم بما يكون عمارة الدين فقال الله تعالى
{ اقيموا الصلوة وآتو الزكوة } } [البقرة: 110] { { كتب عليكم الصيام } [البقرة: 183] { { ولله على الناس حج البيت } [آل عمران: 97].
فصارت قراءة القرآن كقراءة منشور السلطان ولا تحصل الجنة بمجرد القرآن لانه قال
{ { جزاء بما كانوا يعملون } [الأحقاف: 14] كما قيل.
"مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب بتجويد".
ثم فى قوله { غفرانك ربنا } اشارة الى ان من نتائج الايمان وآثار العبودية ان يرى العبد نفسه اهلا لكل شر ومولاه اهلا لكل خير فينسب كل ما يستحسنه لسيده مستعملا حسن الادب معه فى كل اوقاته وذلك بان يحمده على ما دق وجل ويستغفره من تقصيره فى شكره له عليه ويتبرأ من حوله وقوته له فى ذلك كله وبحسب هذا يكون شعاره الحمد لله استغفر الله لا حول ولا قوة الا بالله فى جميع اوقاته وهو الذكر المنجى من عذاب الله فى الدنيا والآخرة المقرب للفتح لمن لازمه.
واعلم انك لا تصل الى التحقيق الا بمراقبة الاوقات باحكامها من التوبة والاستغفار عند العصيان وشهود المنة فى الطاعة ووجود الرضى فى النية ووجود الشكر فى النعمة ولن تصل الى ذلك الا بتعلق قلبك بصلاح قلبك واتهام نفسك حتى فى خروج نفسك وتصل الى هذا باحد أربعة اوجه. نور يقذفه الله فى قلبك بلا واسطة. أو علم متسع فى عقل كامل. او فكرة سالمة من الشواغل. او صحبة شيخ او اخ هذه حاله.
وقد قال الشيخ ابو مدين قدس سره الشيخ من هذبك باخلاقه وادبك باطراقه وانار باطنك باشراقه الشيخ من جمعك فى حضوره وحفظك فى مغيبه فاعمل ايها العبد على تخليص نفسك من عالم جسمك حتى تخرج عن دائرة رسمك وتصل الى تحقيق فهمك وعلمك

از هشتىء خويش تاتوغافل مشوى هر كز بمراد خويش واصل نشوى
از بحر ظهور تا بساحل نشوى در مذهب اهل عشق كامل نشوى