التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ
٣٤
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذ قلنا } اى اذكر يا محمد وقت قولنا { للملائكة } اى لجميعهم لقوله تعالى { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [ص: 73] { اسجدوا لآدم } اى خروا له والسجود فى الاصل تذلل مع تطامن وفى الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة والمأمور به اما المعنى الشرعى فالمسجود له فى الحقيقة هو الله تعالى وجعل آدم قبلة سجودهم تفخيما لشأنه واما معنى اللغوى وهو التواضع لآدم تحية وتعظيما كسجود اخوة يوسف له وكان سجود التحية جائز فيما مضى ثم نسخ بقوله عليه السلام لسلمان حين أراد ان يسجد له "لا ينبغى لمخلوق ان يسجد لاحد الا الله تعالى ولو امرت احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها" فتحية هذه الامة هى السلام لكن يكره الانحناء لانه يشبه فعل اليهود كما فى الدرر وكان هذا القول الكريم بعد انبائهم بالاسماء قيل لما خلق آدم اشكل عليهم ان آدم اعلم ام هم فلما سألهم عن الاسماء فلم يعرفوا وسأل آدم فاخبر بها ظهر لهم ان آدم اعلم منهم ثم اشكل عليهم انه افضل ام هم فلما امرهم بالسجود ظهر لهم فضله ومن لطف الله تعالى بنا ان امر الملائكة بالسجود لا بينا ونهانا عن السجود لغيره فقال { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدو لله الذى خلقهن } [فصلت: 37].
نقل الملائكة المقربين الى آدم وسجدته ونقلنا الى سجدته وخدمته وفى التأويلات النجمية فى قوله { اسجدوا } ثلاثة معان.
احدها انكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية والروحانية فاسجدوا لآدم خلافا للطبيعة بل اعبدوا وارقوا انقيادا للامر وامتثالا للحكم.
والثانى اسجدوا لآدم تعظيما لشأن خلافته وتكريما لفضيلته المخصوصة به وذلك لان الله تعالى يتجلى فيه فمن سجد له فقد سجد لله كما قال تعالىفى حق حبيبه عليه السلام
{ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } [الفتح: 10].
والثالث اسجدوا لآدم اى لاجل آدم وذلك لان طاعتهم وعبادتهم ليست بموجبة لثوابهم وترقى درجاتهم وفائدتها راجعة الى الانسان لمعنيين.
احدهما ان الانسان يقتدى بهم فى الطاعة ويتأدب بآدابهم فى امتثال الاوامر وينزجر عن الاباء والاستكبار كيلا يلحق به اللعن والطرد كما لحق بابليس ويكون مقبولا ممدوحا مكرما كما كان الملائكة فى امتثال الامر لقوله تعالى
{ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [التحريم: 6].
والثانى ان الله تعالى من كمال فضله ورحمته مع الانسان جعل همة الملائكة فى الطاعة والتسبيح والتحميد مقصورة على استعداد المغفرة للانسان كما قال تعالى
{ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن فى الأرض } [الشورى: 5].
فلذلك امرهم بالسجود لاجلهم وليستغفروا لهم { فسجدوا } اى سجد الملائكة لانهم خلقوا من نور كما قال عليه السلام
"خلقت الملائكة من نور" والنور من شانه الانقياد والطاعة واول من سجد جبرائيل فاكرم بانزال الوحى على النبيين وخصوصا على سيد المرسلين ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة وقيل اول من سجد اسرافيل فرفع رأسه وقد ظهر كل القرآن مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقه الى الائتمار. والفاء فى قوله فسجدوا لافادة مسارعتهم الى الامتثال وعدم تلعثمهم فى ذلك { الا ابليس } اى ما سجد لانه خلق من النار والنار من شأنها الاستكبار وطلب العلو طبعا وللعلماء فى هذا الاستثناء قولان.
الاول انه استثناء متصل لان ابليس كان جنيا واحدا بين وللعلماء فى هذا الاستثناء قولان. الاول انه استثناء متصل لان ابليس كان جنيا واحدا بين اظهر الالوف من الملائكة مغمورا بهم تصفا بصفاتهم فغلبوا عليه فى قوله فسجدوا ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم واكثر المفسرين على ان ابليس من الملائكة لان خطاب السجود كان مع الملائكة قال البغوى وهو الاصح.
قال فى التيسير اما وصف الملائكة بانهم لا يعصون ولا يستكبرون فذلك دليل تصور العصيان منهم ولولا التصور لما مدحوا به لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف وطاعة البشر تكلف ومتابعة الهوى منهم طبع ولا يستنكر من الملائكة تصور العصيان فقد ذكر من هاروت وماروت ما ذكر: قال فى المثنوى

امتحان مى كرد شان زير وزبر كى بود سرمست را زاينها خبر

والقول الثانى انه منقطع لانه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن بالنص قال تعالى { كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [الكهف: 50].
وعن الحافظ ان الجن والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو شيطان ومن كان بين بين فهو جن { ابى } اى امتنع عما امره به من السجود والاباء امتناع باختيار { واستكبر } اى تعظم واظهر كبره ولم يتخذه وصلة فى عبادة ربه او تعظيمه وتلقيه بالتحية والتكبر ان يرى الرجل نفسه اكبر من غيره والاستكبار طلب ذلك بالتشبع اى بالتزين بالباطل وبما ليس له وتقديم الاباء على الاستكبار مع كونه مسببا عنه لظهوره ووضوح اثره: قال المثنوى

اين تكبر جيست غفلت ازلباب منجمد جون غفلت يخ ز آفتاب
جون خبر شد ز آفتابش يخ نماند نرم كشت وكرم كشت وتيز راند

قالوا لما سجد الملائكة امتنع ابليس ولم يتوجه الى آدم بل ولاه ظهره وانتصب هكذا الى ان سجدوا وبقوا فى السجود مائة سنة وقيل خمسمائة سنة ورفعوا رؤوسهم وهو قائم معرض لم يندم من الامتناع ولم يعزم على الاتباع فلما رأوه عدل ولم يسجد وهم وفقوا للسجود سجدوا لله تعالى ثانيا فصار لهم سجدتان سجدة لآدم وسجدة لله تعالى وابليس يرى ما فعلوه وهذا اباؤه فغير الله تعالى صفته وحالته وصورته وهيئته ونعمته فصار اقبح من كل قبيح قال الله تعالى { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } [الرعد: 11] قال بعضهم جعل ممسوخا على مثال جسد الخنازير ووجهه كالقردة وللشيطان نسل وذرية والممسوخ وان كان لا يكون له نسل لكن لما سأل النظرة والنظر صار له نسل.
وفى الخبر قيل له من قبل الحق اسجد لقبر آدم أقبل توبتك واغفر معصيتك فقال ما سجدت لقالبه وجئته فكيف اسجد لقبره وميتته.
وفى الخبر ان الله تعالى يخرجه على رأس مائة الف سنة من النار ويخرج آدم من الجنة ويأمره بالسجود لآدم فيأبى ثم يرد الى النار { وكان من الكافرين } اى فى علم الله تعالى او صار منهم باستقباحه امر الله اياه بالسجود لآدم اعتقادا بانه افضل منه والافضل لا يحسن ان يؤمر بالتخضع للمفضول والتوصل به كما اشعر به قوله { انا خير منه } جوابا لقوله تعالى
{ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين } [ص: 75] لا بترك الواجب وحده ومذهب اهل السنة ان الشقى قد يسعد والسعيد قد يشقى فالكافر اذا اسلم كان كافرا الى وقت اسلامه وانما صار مسلما باسلامه الا انه غفر له ما سلف والمسلم اذا كفر والعياذ بالله كان مسلما الى ذلك الوقت الا انه حبط عمله ثم انما قال من الكافرين ولم يكن حينئذ كافر غيره لانه كان فى علم الله ان يكون بعده كفار فذكر انه كان من الكافرين اى من الذين يكفرون بعده وهذا كما فى قوله { فتكونا من الظالمين } [البقرة: 35] ومن فوائد الآية استقباح الاستكبار وانه قد يفضى بصاحبه الى الكفر والحث على الائتمار لامره وترك الخوض فى سره وان الامر للوجوب وان الذى علم الله من حاله انه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة اذ العبرة بالخواتم وان كان بحكم الحال مؤمنا وهى مسئلة الموافاة اى اعتبار تمام العمر الذى هو وقت الوفاة فاذا كان العبرة بالخاتمة فليسارع العبد الى الطاعات فكل ميسر لما خلق له خصوصا فى آخر السنة وخاتمتها كى يختم له الدفتر بالعمل الصالح. قالت رابعة العدوية لسفيان الثورى رحمهما الله انما انت ايام معدودة فاذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك اذا ذهب البعض ان يذهب الكل وانت تعلم فاعمل واعتبر ولا تقل ذهب لى درهم ودينار وسقط لى مال وجاه بل قل ذهب يومى ماذا عملت فيه فان باليوم ينقضى العمر. واحتضر عابد فقال ما تأسفى على دار الاحزان وانما تأسفى على ليلة نمتها ويوم افطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى.
"وعن العلاء بن ذياد قال ليس يوم يأتى من ايام الدنيا الا يتكلم ويقول ايها الناس انى يوم جديد وانا على ما يعمل فى شهيد وانى لو غربت شمسى لم ارجع اليكم الى يوم القيامة. قيل يا رسول الله من خير الناس قال من طال عمره وحسن عمله قيل قاى الناس شر قال من طال عمره وساء عمله وخيف شره ولم يرج خيره" قال الحسن لجلسائه يا معشر الشيوخ ما ينتظر بالزرع اذا بلغ قالوا الحصاد قال يا معشر الشباب فان الزرع قد تدركه الآفة قبل ان يبلغ وانشد بعضهم

ألا مهد لنفسك قبل موت فان الشيب تمهيد الحمام
وقد جد الرحيل فكن مجدا لحط الرحل فى دار المقام

وعن الحسن قال ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فان تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك والاتكن من عمرك فاراك تطلب ما ليس لك.
وعن ابى الدرداء رضى الله عنه قال ما طلعت شمس الا وبجنبتيها ملكان يناديان وانهما ليسمعان من على ظهر الارض غير الثقلين يا ايها الناس هلموا الى ربكم ان ما قل وكفى خير ما كثر وألهى وما غربت. شمس قط الا وبجنبتيها ملكان يناديان وانهما ليسمعان من على ظهر الارض غير الثقلين اللهم عجل لمنفق خلفا وعجل لممسك تلفا: قال فى المثنوى

نان دهى ازبهر حق نانت دهند جان دهى ازبهر حق جانت دهند