التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
٦٥
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد علمتم } خطاب لمعاصرى النبى صلى الله عليه وسلم من اليهود اى وبالله قد عرفتم يا بنى اسرائيل { الذين اعتدوا } اى تجاوزوا الحد ظلما { منكم } من اسلافكم محله نصب على انه حال { فى } يوم { السبت } اى جاوزوا ما حد لهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد.
واصل السبت القطع لان اليهود امروا بان يسبتوا فيه اى يقطعوا الاعمال ويشتغلوا بعبادة الله ويسمى النوم سباتا لانه يقطع الحركات الاختيارية وفيه تحذير وتهديد فكانه يقول انكم تعلمون ما اصابهم من العقوبة فاحذروا كيلا يصبكم مثل ما اصابهم.
والقصة فيه انهم كانوا فى زمن داود عليه السلام بارض يقال لها ايلة بين المدينة والشام على ساحل بحر القلزم حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فكان اذا دخل السبت لم يبق حوت فى البحر الا اجتمع هناك اما ابتلاء لاولئك القوم واما لزيارة السمكة التى كان فى بطنها يونس ففى كل سبت يجتمعن لزيارتها ويخرجن خراطيمهن من الماء حتى لا يرى الماء من كثرتها واذا مضى السبت تفرقن ولزمن مقل البحر فلا يرى شىء منها ثم ان الشيطان وسوس اليهم وقال انما نهيتم عن اخذها يوم السبت فعمد رجال من اهل تلك القرية فحفروا الحياض حول البحر وشرعوا منه اليها الانهار فاذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الانهار فاقبل الموج بالحيتان الى الحياض فلا يقدرن على الخروج لبعد عمقها وقلة مائها فاذا كان يوم الاحد يصطادونها فاخذوا واكلوا وملحوا وباعوا فكثرت اموالهم ففعلوا ذلك زمانا اربعين سنة او سبعين لم تنزل عليهم عقوبة وكانوا يتخوفون العقوبة فلما لم يعاقبوا استبشروا وتجرأوا على الذنب وقالوا ما نرى السبت الا قد احل لنا ثم استن الابناء سنة الآباء فلو انهم فعلوا ذلك مرة او مرتين لم يضرهم فلما فعلوا ذلك صار اهل القرية وكانوا نحوا من سبعين الفا ثلاثة اصناف صنف امسك ونهى وصنف امسك ولم ينه وصنف انتهك الحرمة وكان الناهون اثنى عشر الفا فنهوهم عن ذلك وقالوا يا قوم انكم عصيتم ربكم وخالفتم سنة نبيكم فانتهوا عن هذا العمل قبل ان ينزل بكم البلاء فلم يتعظوا وابوا قبول نصحهم فعاقبهم الله بالمسخ وذلك قوله تعالى { فقلنا لهم } قهرا { كونوا قردة } جمع قرد كالديكة جمع ديك بالفارسية "بوزينه" وهذا امر تحويل لانهم لم يكن لهم قدرة على التحول من صورة الى صورة وهو اشارة الى قوله
{ { إنما قولنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [النحل: 40].
اى لما اردنا ذلك صاروا كما اردنا من غير امتناع ولا لبث { خاسئين } هو وقردة خبران اى كونوا جامعين بين القردية والخسىء وهو الصغار والطرد وذلك ان المجرمين لما ابوا قبول النصح قال الناهون والله لا نساكنكم فى قرية واحدة فقسموا القرية بجدار وصيروها بذلك ثنتين فلعنهم داود وغضب الله عليهم لاصرارهم على المعصية فمسخوا ليلا فلما اصبح الناهون اتوا ابوابها فاذا هى مغلقة لا يسمع منها صوت ولا يعلو منها دخان فتسوروا الحيطان ودخلوا فرأوهم قد صار الشبان قردة والشيوخ خنازير لها اذناب يتعاوون فعرفت القردة انسابهم من الانس ولم يعرف الانس انسابهم من القردة فجعلت القردة تأتى نسيبها من الانس فتشم ثيابه وتبكى فيقول ألم ننهكم عن ذلك فكانوا يشيرون برؤسهم اى نعم والدموع تفيض من اعينهم ودل ذلك على انهم لما مسخوا بقى فيهم الفهم والعقل ثم لم يكن ابتداء القردة من هؤلاء بل كانت قبلهم قردة وهؤلاء حولوا الى صورتها لقبحها جزاء على قبح اعمالهم وافعالهم وماتوا بعد ثلاثة ايام ولم يتوالدوا والقردة التى فى الدنيا هى نسل قردة كانت قبلهم.