التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨٢
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين آمنوا } اى صدقوا بالله تعالى ومحمد عليه السلام بقلوبهم { وعملوا الصالحات } اى ادوا الفرائض وانتهوا عن المعاصى { اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون } لا يموتون ولا يخرجون منها ابدا جرت السنة الآلهية على شفع الوعد بالوعيد مراعاة لما تقتضيه الحكمة فى ارشاد العباد من الترغيب تارة والترهيب اخرى والتبشير مرة والانذار اخرى فان باللطف والقهر يترقى الانسان الى الكمال ويفوز بجنة الجمال والجلال ـ حكى ـ انه كان لشيخ مريد فقال له يوما لو رأيت ابا يزيد كان خيرا لك من شغلك فقال كيف يكون هو خيرا وهو مخلوق ويتجلى الخالق كل يوم سبعين مرة ثم بالآخرة ذهب مع شيخه الى ابى يزيد البسطامى فقالت امرأته لا تطلبوه فهو امرؤ ذهب للحطب فوقفا فى طريقه فاذا هو حمل الحطب على اسد عظيم وبيده حية يضرب الاسد بها فى بعض الاوقات فلما رآه المريد مات وقال ابو يزيد لشيخه قد ربيت مريدك باللطف ولم ترشده الى طريق القهر فلم يتحمل لما رآنى فلا تفعل بعد اليوم وأرهم القهر ايضا
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان ابا يزيد برؤية القهر واللطف من الطريق كان مظهرا لتجلى الذات بخلاف المريد فلما رآه فيه لم يتحمل: قال فى المثنوى

عاشقم بر قهر وبر لطفش بجد بو العجب من عاشق اين هردوضد
والله ارزين خاردر بستان شوم همجو بلبل زين سبب نالان شوم
اين عجب بلبل كه بكشايد دِهان تاخورد اوخار را با كلستان
اين جه بلبل اين نهنك آتشيست جملة ناخوشهازعشقاوراخوشيست

والاشارة فى الآيات الى ان بعض المغرورين بالعقل من الفلاسفة والطبايعية وغيرهم لفرط غفلتهم ظنوا ان قبائح اعمالهم وافعالهم واقوالهم لا تؤثر فى صفاء ارواحهم والارواح فاذا فارقت الارواح الاجساد يرجع كل شىء الى اصله فالاجساد ترجع الى العناصر والارواح الى حظائر القدس ولا يزاحمها شىء من نتائج الاعمال الا اياما معدودة وهذا فاسد لان العاقل يشاهد حسا وعقلا ان تتبع الشهوات الحيوانية واستيفاء اللذات النفسانية يورث الاخلاق الذميمة من الحرص والامل والحقد والحسد والبغض والغضب والبخل والكبر والكذب وغير ذلك وهذه من صفات النفس الامارة بالسوء فتصير بالمجاورة والتعود اخلاق الروح فيتكدر صفاؤه ويتبدل اخلاقه الروحانية من الحلم والكرم والمرؤة والصدق والحياء والعفة والصبر والشكر وغير ذلك من مكارم الاخلاق وصفاء القلب وتحننه الى وطنه الاصلى وغير ذلك فلا يساوى الروح المتبع للنفس الامارة كما للعوام بعد المفارقة مع الروح المتبع لالهامات الحق كما يكون للخواص وبعضهم قالوا وان تدنست الارواح بقدر تعلقها بمحبوبات طباعها فبعد المفارقة بقيت فى العذاب اياما معدودة على قدر انقطاع التعلقات عنها وزوال الكدروات ثم تخلص وهذا ايضا خيال فاسد وكذبهم الله بقوله بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته تظهر على مرآة قلبه بقدرها رينا فان تاب محى عنه وان اصر على السيآت حتى اذا احاط بمرآة قلبه رين السيآت بحيث لا يبقى فيه الصفاء الفطرى وخرج منه نور الايمان وضوء الطاعات فاحاطت به الخطيئات { { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 81].
وفيه اشارة ايضا الى بعض ارباب الطلب ممن يركن الى شهوات الدنيا فى اثناء الطلب فيتظفر عليه الشيطان ويغره بزهده فيوقعه في ورطة العجب فينظر الى نفسه بنظر التعظيم والى الخلق بنظر التحقير فيهلك او يغتر بما يظهر فى اثناء السلوك من بعض الوقائع الصادقة والرؤيا الصالحة وشىء من المشاهدات والمكاشفات الروحانية لا الرحمانية فيظن المغرور ان ليس وراء عبادته قربة وانه بلغ مبلغ الرجال فيسكت عن الطلب وتعتريه الآفات حتى احاطب به خطيئته فرجع القهقرى الى اسفل الطبيعة واما الذين آمنوا من اهل الطلب { وعملوا } على قانون الشريعة باشارة شيخ الطريقة الصالحات المبلغات الى الحقيقة اولئك اصحاب الوصول الى جنات الاصول خالدين فيها بالسير الى ابد الآباد فان المنازل والمقاصد وان كانت متناهية لكن السير فى المقصد غير متناه بخلاف الذين احاطت بهم خطيئتهم فانهم خالدون فى نار القطيعة ولن تنفعهم المجاهدات والنظر فى المعقولات والاستدلال بالشبهات.