التفاسير

< >
عرض

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً
١٠٥
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويسألونك عن الجبال } السؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة او الاشارة او استدعاء مال او ما يؤدى الى مال وجوابه على اليد واللسان خليفة لها اما بوعد او برد والسؤال للمعرفة قد يكون تارة للاستعلام وتارة للتبكيت وتارة لتعريف المسئول وتنبيهه لا ليخبر ويعلم فاذا كان للتعريف تعدى الى المفعول الثانى تارة بنفسه وتارة بالجار تقول سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا وبعن اكثر كما فى هذا المقام واذا كان لاستدعاء مال فانه يتعدى بنفسه او بمن نحو قوله تعالى { واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } والجبال جمع جبل وهو كل وتد للارض عظم وطال فان انفرد فاكمة اوقنة واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسابها فقيل فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الاثبات فيه وجبله الله على كذا اشارة الى ما ركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله وتصور منه العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل كما قال تعالى { ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } اى جماعة تشبيها بالجبل فى العظم والجبال فى الدنيا ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول. والمعنى يسألونك عن ما آل امرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف وقال يا رسول الله ما يصنع بالجبال يوم القيامة { فقل } الفاء للمسارعة الى الزام السائلين.
قال الكاشفى [بس بكويى تأخير در جواب ايشان كه بقدرت]{ ينسفها ربى نفسا } يقال نسفت الريح الشئ اقلعته وازالته ونسف البنا ءقلعه من اصله والجبال دكها وذراها كما فى القاموس اى يقلعها من اصلها ويجعلها كالهباء المنثور.
وفى الارشاد يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها وتذروها.
وفى الكبير لعل قوما قالوا انك تدعى ان الدنيا تفنى فوجب ان تبتدئ بالنقصان حتى تنتهى الى البطلان لكنا لا نرى فيها نقصانا ونرى الجبال كما هى وهذه شبهة ذكرها جالينوس فى ان السماوات لا تفنى وجواب هذه الشبهة ان بطلان الشئ قد يكون ذبوليا يتقدمه النقصان وقد يكون دفعة فتبين انه تعالى يزيل تركيبات العالم الجسمانى دفعة بقدرته ومشيئته انتهى ومثاله ان الدنيا مع جبالها وشدادها كالشاب القوى البدن ومن الشبان من يموت فجأة من غير تقدم مرض وذبول

ديدى آن قهقهه كبك خرامان حافظ كه زسر بنجه شاهين قضا غافل بود

قال فى الاسئلة المقحمة قال هنا { ويسألونك عن الجبال فقل } بالفاء وفى موضع آخر { ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح } من غير الفاء والجواب لانهم يسألونه ههنا بعد فتقريره ان سألوك عن الجبال فقل نظيره فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فان كنت فى شك فان آمنوا بمثل ما امنتم به بخلاف قوله { ويسألونك عن اليتامى قل } لانه هناك كانوا قد سألوه فامر بالجواب كقوله تعالى { ويسألونك عن المحيض } وغيرها من المواضع انتهى.
وفى التأويلات النجمية وان سألوك عن احوال الجبال فى ذلك اليوم فقل ينسفها ربى نفسا يقلعها بتجلى صفة القهارية كما جعل الطور دكا.