التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
١١٥
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد عهدنا الى آدم } يقال عهد فلان الى فلان بعد اى القى العهد اليه واوصاه بحفظه والعهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا وعهد الله تارة يكون بما ركزه فى عقولنا وتارة يكون بما امرنا به بكتابه وبألسنة رسله وتارة بما نلتزمه وليس بلازم فى اصل الشرع كالنذور وما يجرى مجراها وآدم ابو البشر عليه السلام قيل سمى بذلك لكون جسده من اديم الارض وقيل لسمرة فى ولنه يقال رجل آدم نحو اسمر وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى مفترقة يقال جعلت فلانا ادمة اهلى اى خلطته بهم وقيل سمى بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه وجعل له من العقل والفهم والرؤية التى فضل بها على غيره وذلك من قولهم الادام وهو ما يطيب به الطعام وقيل اعجمى وهو الاظهر والمعنى وبالله لقد امرناه ووصيناه بان لا يأكل من الشجرة وهى المعهودة ويأتى بيانه بعد هذه الآية { من قبل } من قبل هذا الزمان { فنسى } العهد ولم يهتم به حتى غفل عنه والنسيان بمعنى عدم الذكر او تركه ترك المنسى عنه.
قال الراغب النسيان ترك الانسان ضبط ما استودع اما لضعف قلبه واما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الانسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان اصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما روى (رفع عن امتى الخطأ والنسيان) فهو ما لم يكن سببه منه { ولم نجد له عزما } ان كان من الوجود العلمى فله وعزما مفعولاه وقدم الثانى على الاول لكونه ظرفا وان كان من الوجود المقابل للعدم وهو الانسب لان مصب الفائدة هو المفعول وليس فى الاخبار بكون العزم المعدوم له مزيد مزية فله متعلق به والعزم فى اللغة توطين النفس على الفعل وعقد القلب على امضاء الامر. والمعنى لم نعلم او لم نصادف له تصميم رأى وثبات قدم فى الامور ومحافظة على ما امر به وعزيمة على القيام به اذ لو كان كذلك لما ازله الشيطان ولما استطاع تغريره وقد كان ذلك منه عليه السلام فى بدء امره من قبل ان يجرب الامور ويتولى حارها وقارها ويذوق شريها واريها لا من نقصان عقله فانه ارجح الناس عقلا كما قال عليه السلام
"لو وزنت احلام بنى آدم بحلم آدم لرجح حلمه" وقد قال الله تعالى { ولم نجد له عزما } ومعنى هذا ان آدم مع ذلك اثر فيه وسوسته فكيف فى غيره: قال الحافظ

دام سختست مكر لطف خدا يا رشود ورنه آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم

قيل لم يكن النسيان فى ذلك الوقت مرفوعا عن الانسان فكان مؤاخذا به وانما رفع عنا.
وفى التأويلات النجمية { ولقد عهدنا الى آدم من قبل } اى من قبل ان يكون اولا وان لا يتعلق بغيرنا ولا ينقاد لسوانا فلما دخل الجنة ونظر الى نعيمها { فنسى } عهدنا وتعلق بالشجرة وانقاد للشيطان { ولم نجد له عزما } يشير الى ان الله تعالى لما خلق آدم وتجلى فيه بجميع صفاته صارت ظلمات صفات خلقيته مغلوبة مستورة بسطوات تجلى انوار صفات الربوبية ولم يبق فيه عزم التعلق بما سواه والانقياد لغيره فلما تحركت فيه دواعى البشرية الحيوانية وتداعت الشهوات النفسانية الانسانية واشتغل باستيفاء الحظوظ نسى اداء الحقوق ولهذا سمى الناس ناسا لانه ناس فنشأت له من تلك العاملات ظلمات بعضها فوق بعض وتراكمت حتى صارت غيوم شموس المعارف واستار اقمار العوارف فنسى عهود الله ومواثيقه وتعلق بالشجرة المنهى عنها.
قال العلامة ياانيسان عادتك النسيان اذكر الناس ناس وارق القلوب قاس.
قال ابو الفتح البستى فى الاعتذار من النسيان الى بعض الرؤساء

يا اكثر الناس احسانا الى الناس يا احسن الخلق اعراضا عن الباس
نسيت وعدك والنسيان مغتفر فاغفر فاول ناس اول الناس

قال على رضى الله عنه عشرة يورثن النسيان.
كثرة الهم. والحجامة فى النقرة. والبول فى الماء الراكد. واكل التفاح الحامض. واكل الكزبرة. واكل سؤر الفار. وقراءة الواح القبور. والنظر الى المصلوب. والمشى بين الجملين المقطورين. والقاء القملة حية كما فى روضة الخطيب لكن فى قاضى خان لا بأس بطرح القملة حية والادب ان يقتلها.
وزاد فى المقاصد الحسنة مضغ العلك اى للرجال اذا لم يكن من علة كالبخر ولا يكره للمرأة ان لم تكن صائمة لقيامه مقام السواك فى حقهن لان سنها اضعف من سن الرجال كسائر اعضائها فيخاف من السواك سقوط سنها وهو ينقى الاسنان وتشد اللثة كالسواك.
واعلم ان من اشد اسباب النسيان العصيان فنسأل الله العصمة والحفظ.