التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ
١١٦
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذ قلنا } اى واذكر يا محمد وقت قولنا { للملائكة } اى لمن فى الارض والسماء منهم عموما كما سبق تحقيقه { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم.
وقال البيضاوى اذكر حاله فى ذلك الوقت ليتبين لك انه نسى ولم يكن من اولى العزيمة والثبات انتهى.
وفيه اشارة الى استحاقه لسجودهم لمعان جمة. منها لانه خلق لامر عظيم هو الخلافة فاستحق لسجودهم. ومنها لان الله تعالى جعله مجمع مجرى عالمى الخلق والامر والملك والملكوت والدنيا والآخرة فما خلق شيئا فى عالم الخلق والدنيا الا وقد جعل فى قالبه انموذجا منه وما خلق شيئا فى عالم الامر والآخرة الا وقد اودع فى روحه حقائقه واما الملائكة فقد خلقت من عالم الامر والملكوت دون عالم الخلق والملك فبهذه النسبة اختص آدم بالكمال وما دونه بالنقصان فاستحق السجود والكمال. ومنها لانه خلق روحه فى احسن تقويم من بين سائر الارواح من الارواح الملكية وغيرها وخلقت صورته فى احسن صورة على صورة الرحمن والملائكة وان خلقت فى حسن ملكى روحانى لم يخلقوا فى حسن صورته فله الافضلية فى كلا الحالين فاستحق لسجودهم بالافضلية. ومنها لانه شرف فى تسوية قالبه بتشريف خمر طينة آدم بيده اربعين صباحا وباختصاص لما خلقت بيدى واكرم فى تعلق روحه بالقالب بكرامة ونفخت فيه من روحى فالزمهم سجود الكرامة بقوله فقعوا له ساجدين واثبت له استحقاق سجودهم بقوله يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى. ومنها لانه اختص بعلم الاسماء كلها وانهم قد احتاجوا فى انباء اسمائهم كما قال يا آدم انبئهم باسمائهم فوجب عليهم اداء حقوقه بالسجود. ومنها لانه لما خلقه الله تعالى تجلى فيه بجميع صفاته فاسجد الله تعالى ملائكته اياه تعظيما وتكريما واعزازا واجالالا فانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فسجدوا الا ابليس ابى ان يسجد وذلك لان الله تعالى لما قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة الى ونقدس لك كان هذا الكلام منهم نوع اعتراض على الله وجنس غيبة لآدم واظهار فضيلة لانفسهم عليه فاجابهم الله بقوله انى اعلم ما لا تعلمون اى انى اودعت فيه من علم الاسماء واستعداد الخلافة ما لا تعرفون به فله الفضيلة عليكم فاسجدوا له كفارة لا عتراضكم واستغفارا لغيبته وتواضعا لانفسكم فاقر الملائكة واعترفوا بما جرى عليهم من الخطأ وتابوا واستسلموا لاحكام الله تعالى فسجدوا لآدم واما ابليس فقد اصر على ذنب الاعتراض والغيبة والعجب بنفسه ولم يستسلم لاحكام الله وزاد فى الاعتراض والغيبة والعجب فقال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين وابى ان يسجد كذا فى التأويلات { فسجدوا } تعظيما لامر ربهم وامتثالا له { الا ابليس } فانه لم يسجد ولم يطرح اردية الكبر ولم يخفض جناحه: وفى المثنوى

آنكه آدم را بدن دي اورميد وانكه نور مؤتمن ديد او حميد

يقال ابلس يئس وتحير ومنه ابليس او هو اعجمى كما فى القاموس كأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل { ابى } السجود وامتنع منه.
قال فى المفردات الاباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء.