التفاسير

< >
عرض

فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
١١٧
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ فقلنا } عقيب ذلك اعتناء بنصحه { يا آدم ان هذا } الحقير الذى رأيت ما فعل { عدو لك ولزوجك } حواء والزوج اسم للفرد بشرط ان يكون معه آخر من جنسه ذكرا كان او انثى.
ولعداوته وجوه. الاول انه كان حسودا فلما رأى نعم الله على آدم حسده فصار عدوا له.
وفيه اشارة الى ان كل من حسد احدا يكون عدوا له ويريد هلاكه ويسعى فى افساد حاله. والثانى انه كان شابا عالما وابليس شيخا جاهلا لانه اثبت فضيلته بفضيلة اصله وانه جهل والشيخ الجاهل يكون ابدا عدو الشاب العالم
_@_

زد شيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل المرء لا يزال عدوا لما جهل

والثالث انه مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب وبين اصليهما عداوة فبقيت العداوة فيهما { فلا يخرجنكما من الجنة } اى لا يكونن سببا لاخراجكما منها فهو من قبيل اسناد الفعل الى السبب والا فالمخرج حقيقة هو الله تعالى وظاهره وان كان نهى ابليس عن الاخراج الا ان المراد نهيهما من ان يكونا بحيث يتسبب الشيطان فى اخراجهما منها بالطريق البرهانى { فتشقى } جواب للنهى واسناد الشقاء اليه لرعاية الفواصل ولا صالته.
قال فى المفردات الشقاوة خلاف السعادة وكما ان السعادة ضربان سعادة دنيوية وسعادة اخروية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب سعادة نفسية وبدنية وخارجية كذلك الشقاوة على هذه الاضرب وفى الشقاوة الاخروية قال تعالى
{ فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } وفى الدنيوية { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } انتهى وقد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت فى كذا كما قال فى القاموس الشقا الشدة والعسر ويمد انتهى. فالمعنى لا تباشر اسباب الخروج فيحصل الشقاء وهو الكد والتعب الدنيوى مثل الحرث والزرع والحصد والطحن والعجن والخبز ونحو ذلك مما لا يخلو الناس عنه فى امر تعيشهم ويؤيده ما بعد الآية.
قال الكاشفى [فتشقى كه تودررنج افتى يعنى جون ازبهشت بيرون روى بكديمين وعرق جبين اسباب معاش مهيا بايدكرد].
عن سعيد بن جبير اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فذلك شقاؤه.
يقول الفقير الظاهر ان الشيطان بسبب عداوته لا يخلو عن تحريض فعل يكون سببا للخروج فالشقاوة فى الحقيقة متفرعة على مباشرة امر منهى عنه فافهم.
وفى التأويلات النجمية هى شقاوة البعد عن الحضرة ان لم يرجع الى مقام قربه من جوار الحق بالتوبة والاستغفار.
وفيه اشارة الى ان العصيان وامتثال الشيطان موجب للاخراج من جنة القلب والهبوط الى ارض البشرية بعد الصعود عنها والعبور عليها.