التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى
١٢٩
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولولا كلمة سبقت من ربك } اى ولولا الكلمة المتقدمة وهى العدة بتأخير عذاب هذه الامة اى امة الدعوة الى الآخرة لحكمة تقتضيه يعنى ان الكلمة اخبار الله ملائكته وكتبه فى اللوح المحفوظ ان امة محمد وان كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال لعلمه ان فيهم من يؤمن ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك { لكان } عقاب جناياتهم { لزاما } اى لزاما لهؤلاء الكفرة بحيث لا تتأخر جناياتهم ساعة لزوم ما نزل باولئك الغابرين عند التكذيب مصدر لازم وصف به للمبالغة { واجل مسمى } عطف على كلمة والفصل للاشعار باستقلال كل منهما بنفى لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآى اى ولولا اجل مسمى لاعمارهم او لعذابهم وهو يوم القيامة او يوم بدر لما تأخر عذابهم اصلا.
واعلم ان الله تعالى حرضهم على الايمان من طريق العبرة والاستدلال رحمة منه تعالى ليعود نفعه اليهم لا له: كما قال فى المثنوى

جون خلقت الخلق كى يربح على لطف توفرمود اى قيوم وحى
لا لان اربح عليهم جودتست كه شود زوجمله ناقصها درست

وقع فى الكلمات القدسية "يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا" فعلى العاقل التمسك بكلمة التوحيد حذرا من وقوع الوعيد وفى الحديث "لتدخلن الجنة كلكم الا من ابى قيل يا رسول الله من ذا الذى ابى قال من لم يقل لا اله الا الله قبل ان يحال بينكم وبينها فانها كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة"
ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر فينبغى للعاقل المكلف ان يتعظ بمواعظ القرآن الكريم ويتقى القادر الحكيم ويجتهد فى الطاعة والانقياد ولا يكون اسوء من الجماد مع ان الانسان اشرف المخلوقات وابدع المصنوعات.
"عن جعفر الطيار رضى الله عنه قال كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد علىّ العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك ايها الجبل فقال بنطق فصيح لبيك يا رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلام الى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى { فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجار } بكيت لخوف ان اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فىّ ماء" يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا اشد قسوة من الحجارة واسوء حالا من الجمادات نسأل الله تليين القلوب.