التفاسير

< >
عرض

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ
١٨
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } موسى { هى عصاى } نسبها الى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهديا لما يعقبه من الافاعيل المنسوبة اليه عليه السلام { اتوكؤا عليها } اى اعتمد عليها عند الاعياء فى الطريق وحال المشى وحين الوقوف على رأس القطيع فى المرعى { واهش بها على غنمى } الهش [بيفشاندن برك ازدرخت] يقال هش الورق يهشه ويهشه خبطه بعصا ليتحات اى ضربه ضربا شديدا ليسقط. والمعنى اخبط بها الورق واسقطه على رؤس غنمى لتأكله. وبالفارسية [وفروميريزم برك ازدر ختها]{ ولى فيها مآرب } جمع مأربة بفتح الراء وضمها وهى الحاجة { اخرى } لم يقل آخر لرعاية الفاصلة اى حاجات اخر غير التوكى والهش وهى انه اذا سار القاها على عاتقه وعلق بها قومه وكنانته وحلابه ومطهرته وحمل عليها زاده وتحدثه. يعنى [درراه باموسى سخنى كفتى] وكان لها شعبتان ومحجن فاذا طال الغصن حناه بالمحجن واذا حاول كسره لواه بالشعبتين وفى اسفلها سنان ويركزها فيخرج الماء وتحمل أى ثمرة احب وربما يدليها فى البئر وتصير شعبتاها كالدلو فيخرج الماء واذا قصر الرشاء وصله بها وتضيئ بالليل كالشمع وتحارب عنه. يعنى [بادشمن وى حرب كردى] واذا تعرضت لغنمه السباع قاتل بها وتطرد الهوام فى النوم واليقظة ويستظل بها اذا كان قعد يعنى اذا كان فى البرية ركزها والقى كساءه عليها فكان ظلا وكانت اثنى عشر ذراعا بذراعه عليه السلام من عود آس من شجر الجنة استودعها عند شعيب ملك من الملائكة فى صورة انسان.
وقال الكاشفى [آن عصا ازجوب مرد بهشت بود طول اوده كز وسراو دوشاخه ودر زيراو سنانى نشانده نامش عليق بود يانيعه از آدم ميراث بشعيب رسيده بود وازو بموسى رسيد] وفى العصا اشارة الى ان الانبياء عليهم السلام رعاة الخلق والخلق مثل البهائم محتاجون الى الرعى والكلاءة من ذئاب الشياطين واسد النفس فلا بد من العمل بارشادهم والوقوف بالخدمة عند باب دراهم: قال الحافظ
_@_

شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد كه جند سال بجان خدمت شعيب كند

قال بعض اهل المعرفة لما كانت العصا صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات لان صورة الحية تستعد للايمان كما ظهر بعض الجن بالمدينة فى صورة الحية ونهوا عن قتلها كما ذكر فى الصحاح لذلك قال موسى عليه السلام { هى عصاى اتوكأ عليها } اى استعين بها على مطالبى فى السر { وأهش بها على غنمى } اى على رعايا اعضائى وحواسى وعلى ما تحت يدى من اقوى الطبيعية والبدنية { ولى فيها مآرب اخرى } اى مقاصد لا تحصل الا بها من الكمالات المكتسبة بالمجاهدات البدنية والرياضات النفسية فاذا جاهدت وارتاضعت وانابت الى ربها انقلبت المعصية التى هى السيئة طاعة اى حسنة كما قال تعافى فى صلة التائبين { يبدل الله سيآتهم حسنات
} فان قيل السؤال للاستعلام وهو محال على العلام فما الفائدة فيها قال ان فائدته ان من ارد ان يظهر من الحقير شيئا نفسيا يعرضه اولا على الحاضرين ويقول ما هذا فيقال فلان ثم انه يظهر صنعه الفائق فيه فيقول لهم خذوا منه كذا وكذا كما يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك ما هى فتقول زبرة حديد ثم يريك بعد ايام لبوسا مسردا فيقول لك هى تلك الزبرة صيرتها الى ما ترى من عجيب الصنعة وانيق السرد فالله تعالى لما اراد ان يظهر من العصا تلك الآيات الشريفة عرضها اولا عليه فقال هل حقيقة ما فى يدك الا خشبة لا تضر ولا تنفع ثم قلبها ثعبانا عظيما فنبه به على كمال قدرته ونهاية حكمته.
قال الكاشفى [ استفهام متضمن تنبيه است يعنى حاضر شو تاعجايب ببنى].
وقال فى التأويلات انما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيها له يعلم ان للعصا عند الله اسما آخر وحقيقة اخرى غير ما علمه منها فيحيل علمها اليه تعالى فيقول انت اعلم بها يا رب فلما اتكل على علم نفسه وقال هى عصاى فكأنه قيل له اخطأت فى هذا الجواب خطأين احدهما فى التسمية بالعصا والثانى فى اضافتها الى نفسك وهو ثعبانى لا عصاك.
فان قيل هذا سؤال من الله مع موسى ولم يحصل لمحمد عليه السلام.
قلنا خاطبه ايضا فى قوله
{ فاوحى الى عبده ما اوحى } الا انه ما افشاه وكان سرا لم يؤهل له احدا من الخلق وايضا فان دار الكلام بينه وبين موسى فأمة محمد يخاطبونه فى كل يوم مرات على ما قاله عليه السلام "المصلي يناجى ربه" وقال بعضهم فهم موسى ان هذا السؤال ليس للاستعلام لانه تعالى منزه عن ذلك بل للتذكر لاستحاضر حقيقتها وما يعلم من منافعها ولذا زاد فى الجواب.
وقال الكاشفى [جواب داد وجهت تعداد نعم ربانى برآن افزود] وقال بعضهم سأل الله عما فى يده للتقريرعلى انها عصا حتى لا يخاف اذا صارت ثعبانا ويعلم انها معجزة عظيمة ولا زالة الوحشة عن موسى ولذا كرر يا موسى يعنى ليحصل زيادة الانبساط والاستئناس وازالة تلك الهيبة والدهشة الحاصرة من استماع ذلك الكلام الذى لم يشبه كلام الخلق مع مشاهدة تلك النار وتلك الشجرة وسمع تسبيح الملائكة ومن ثمة لما زالت بذلك اطنب فى الجواب قال نبينا عليه السلام قلت اى ليلة المعراج اللهم انه لما لحقنى استيحاش سمعت مناديا ينادى بلغة تشبه لغة ابى بكر رضى الله عنه فقال لى قف فان ربك يصلى فعجبت من هاتين هل سبقنى ابو بكر الى هذا المقام وان برى لغنى عن ان يصلى فقال تعالى انا الغنى عن ان اصلى لاحد وانما اقول سبحانى سبحانى سبقت رحمتى على غضبى أقرا يا محمد هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيما فصلاتى رحمة لك ولامتك واما امر صاحبك يا محمد فان اخاك موسى كان انسه بالعصا فلما اردنا كلامه قلنا وما تلك بيمنك يا موسى قال هى عصاى وشغل بذكر العصا عن عظيم الهيبة وكذلك انت يا محمد لما كان انسك بصاحبك ابى بكر خلقنا ملكا على صورته ينادى بلغته ليزول عنك الاستيحاش لما يلحقك من عظيم الهيبة كذا فى انسان العيون.
وذكر الراغب الاصفهانى فى المحاضرات انه قال الامام الشاذلى قدس سره صاحب الحزب البحر اضطجعت فى المسجد الاقصى فرأيت فى المنام قد نصب تحت خارج الاقصى فى وسط الحرم فدخل خلق كثير افواجا افواجا فقلت ما هذا الجمع فقالوا جمع الانبياء والرسل عليهم السلام قد حضروا ليشفعوا فى حسين الحلاج عند محمد عليه السلام فى اساءة ادب وقعت منه فنظرت الى التخت فاذا نبينا صلى الله عليه وسلم جالس عليه بانفراد وجميع الانبياء على الارض جالسون مثل ابراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم السلام فوقفت انظر واسمع كلامهم فخاطب موسى نبينا عليه السلام وقال له انك قد قلت (علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل فارنا منهم واحدا فقال هذا واشار الى الامام الغزالى قدس سره فسأله موسى سؤالا فاجابه بعشرة اجوبة فاعترض عليه موسى بان الجواب ينبغى ان يطابق السؤال والسؤال واحد والجواب عشرة فقال الامام هذا الاعتراض وارد عليك ايضاحين سئلت
{ وما تلك بيمينك } وكان الجواب عصاى فاوردت صفات كثيرة فقال فبينما انا متفكر فى جلالة قدر محمد عليه السلام وكونه جالسا على التخصت بانفراده والخليل والكليم والروح جالسون على الارض اذ رفسنى شخص برجله رفسة مزعجة اى ضربنى فانتبهت فاذا بقيم يشعل قناديل الاقصى قال لا تعجب فان الكل خلقوا من نوره فخررت مغشيا فلما اقاموا الصلاة افقت وطلبت القم فلم اجده الى يومى هذا ومن هذا قال فى قصيدة البردة

وانسب الى ذاته ما شئت من شرف وانسب الى قدره ما شئت من عظم

وقال آخر

سرخيل انبيا وسيهدار اتقيا سلطان باركاه دنا قائد امم