التفاسير

< >
عرض

أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ
٣٩
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان اقذفيه فى التابوت } ان مفسرة بمعنى اى لان الوحى من باب القول اى قلنا لها اقذفيه ومعنى القذف هها الوضع وفى قوله { فاقذفيه فى اليم } الالقاء وليس المراد القذف بلا تابوت واليم نيل مصر فى قول جميع المفسرين فان اليم يقع على البحر والنهرالعظيم.
فان قيل ما الحكمة بالقاء موسى فى اليم دون غيره فيه. قلنا له جوابان بلسان الحكمة والمعرفة قيل بلسان الحكمة ان المنجمين اذا القى شئ فى الماء يخفى عليهم امره فاراد الله ان يخفى حال موسى على المنجمين حتى لا يخبروا به فرعون وقيل بلسان الحال القيه فى التلف لانجيه بالتلف من التلف قيل لها بلسان الحال سلميه الىّ صبيا اسلمه اليك نبيا وقيل انجاه من البحر فى الابتداء كذلك انجاه من البحر فى الانتهاء باغراق فرعون بالماء.
وقال بعض ارباب المعارف التابوت اشارة الى ناسوت موسى عليه السلام اى صورته الانسانية واليم اشارة الى ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم العنصرى فلما حصلت النفس فى هذا الجسم وامرت بالتصرف فيه وتدبيره جعل الله لهم هذا القوى آلات يتوصل بها الى ما اراده الله منها فى تدبير هذا التابوت فرمى فى اليم ليحصل له بهذا القوى من فنون العلم تكميل استعداده بذلك الامر من النفس الكلية التى هى امه المعنوية وابوه الروح الكلى فكل ولد منها يأخذ استعداده بحسب القابلية فكمل لموسى الاستعداد الاصلى بذلك الالقاء من توجه النفس الكلية له: وقال المولى الجامى قدس سره

ديدم رخت آفتاب عالم ايسنت در طور وجود نور اعظم ايسنت
افتاد دلم اسير ثابوت بدن دربحر غمت القى فى اليم ايسنت

{ فليلقه اليم بالساحل } لما كان القاء البحر اياه بالساحل امرا واجب الوقوع لتعلق الارادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع امر بذلك واخرج الجواب مخرج الامر فصورته امر ومعناه خبر والضمائر كلها لموسى والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وان كان التابوت اصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له فى ذلك. والساحل فاعل بمعنى مفعول من السحل لانه يسحل الماء اى يقشره ويسلخه وينزع عنه ما هو بمنزلة القشر على ظاهره يقال قشرت العود نزعت عنه قشره { يأخذه عدو لى وعدو له } بالجزم جواب للامر بالالقاء وتكرير عدو للمبالغة اى دعيه حتى يأخذه العدو فانى قادر على تربية الولى فى حجر العدو ووقايته من شره بالقاء محبة منه عليه.
فان قيل كيف يجوز ان يكون مثل فرعون له رتبة معاداته تعالى حتى سمى عدو الله. قلنا معناه يأخذه مخالف لا مرى كالعدو كذا فى الاسئلة المقحمة.
قالوا ليس المراد بالساحل نفس الشاطئ بل ما يقابل الوسط وهو ما يلي الساحل من البحر بحيث يجرى ماؤه الى نهر فرعون لما روى انها جعلت فى التابوت قطنا ووضعته فيه ثم احكمته بالقير وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء والقته فى اليم وكان يدخل منه الى بستان فرعون نهر فدفعه الماء اليه فاتى به الى بركة فى البستان وكان فرعون جالسا ثمة مع آسية بنت مزاحم فامر به فاخرج ففتح فاذا هو صبى اصبح الناس وجها ولما وجده فى اليم عنده الشجر سماه موسى و "مو" هو الماء بالقبطية و"سا" هو الشجر واحبه حبا شديدا لا يكاد يتمالك الصبر عنه وذلك قوله تعالى { وألقيت عليك محبة } عظيمة كائنة { منى } قد زرعتها فى القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولذا احبك عدو الله وآله - روى - انه كان على وجهه مسحة جمال وفى عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه.

ماه زيباست ولى روى تو زيباتر ازوست جشم نركس جه كنم جشم تورعناتر ازوست

وفى التأويلات النجمية { والقيت عليك محبة } من محبتى ليحبك بمحبتى من احبنى بالتحقيق ويحبك عدوى وعدوك بالتقليد كما ان آسية احبته بحب الله على التحقيق وفرعون احبه لما القى الله عليه محبته بالتقليد ولما كانت محبة فرعون بالتقليد فسدت وبطلت بادنى حركة رآها من موسى ولما كانت محبة آسية بالتحقيق ثبتت عليها ولم تتغير وهكذا يكون ارادة اهل التقليد تفسد بادنى حركة لا تكون على وفق طبع المريد المقلد ولا تفسد ارادة المريد المحقق بابكر حركة تخالف طبعه وهواه وهو مستسلم فى جميع الاحوال

نشان اهل خدا عاشقى وتسلمست كه درمريد شهر اين نشان نمى بينم

{ ولتصنع على عينى } عطف علىعلة مضمرة لا لقيت اى ليتعطف عليك ولتربى بالحنو والشفقة ويحسن اليك وانا راقبك ومراعيك وحافظك كما يراعى الرجل الشئ بعينه اذا اعتنى به من قولهم صنع اليه معروفا اذا احسن اليه. وعينى حال من الضمير المستتر فى لتصنع لا صلة له جعل العين مجازا عن الرعاية والحراسة بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب فان الناظر الى الشئ يحرسه مما لا يريد فى حقه ويراعيه حسبما يريد فيه.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من ادركته العناية الازلية يكون فى جميع حالاته منظور نظر العناية لا يجرى عليه امر من امور الدنيا والآخرة الا وقد يكون له فيه صلاح وتربية الى ان يبلغه درجة ومقاما قد قدر له.