التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ
٥١
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى
٥٢
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ
٥٣
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } فرعون { فما بال القرون الاولى } ما استفهام. والبال الحال التى يكترث بها ولذا يقال ما باليت بكذا اى ما اكترثت به ويعبر به عن الحال الذى ينطوى عليه الانسان فيقال ما خطر ببالى كذا. والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد. والاولى تأنيث الاول وواحد الاول كالكبرى والاكبر والكبر. والمعنى فما بال القرون الماضية وما خبر الامم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة.
قال فى الاسئلة المقحمة فان قلت هذا لا يليق بما تقدم قلنا ان موسى كان قد قال له انى اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب ان يلحقكم ما قد لحقهم ان لم تؤمنوا بى فلهذا سأله فرعون عن حالهم انتهى.
يقول الفقير هذا وان كان مطابقا لمقتضى الفاء الا ان الجواب لا يساعده مع ان القائل بالخوف ليس هو موسى بل الذى آمن وبعيد ان يحمل الذى آمن على موسى لعدم مساعدة السباق والسياق فارجع الى سورة المؤمن.
وقال بعضهم لما سمع البرهان خاف ان يزيد فى ايضاحه فيتبين لقومه صدقه فيؤمنوا به فاراد ان يصرفه عنه ويشغله بالحكاية فلم يلتفت موسى اليه ولذا. { قال } اى موسى { علمها عند ربى } اى ان علم احوال تلك القرون من الغيوب التى لا يعلمها الا الله ولا ملابسة للعلم باحوالهم بمنصب الرسالة فلا اعلم منها الا ما علمنيه من الامور المتعلقة بما ارسلت { فى كتاب } اى مثبت فى اللوح المحفوظ بتفاصيله { لا يضل ربى ولا ينسى } الضلال ان تخطئ الشئ فى مكانه فلم تهتد اليه والنسيان ان تغفل عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات. والمعنى لا يخطئ ابتداء بل يعلم كل المعلومات ولا يغفل عنه بقاء بل هو ثابت ابدا وهو لبيان ان اثباته فى اللوح المحفوظ ليس لحاجته تعالى اليه فى العلم به ابتداء وبقاء وانما كتب احكام والكائنات فى كتاب ليظهرها للملائكة فيزيد استدلالهم بها على تنزه علمه تعالى عن السو والغفلة.

برو علم يك ذرء بوشيده نيست كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست

فبعد الجواب القاطع رجع الى بيان شؤونه تعالى وقال { الذى } اى هو الذى { جعل لكم الارض مهدا } قال الامام الراغب المهد ما يهيأ للصبى والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ قال تعالى { الذى جعل لكم الارض مهدا } انتهى.
قال الكاشفى [خوش كسترانيدكه برآن مى نشينيد ومسكن ميسازيد] { وسلك لكم فيها سبلا } السلوك النفاذ فى الطريق [يعنى اندرراه شدن ورفتن] وسلك لازم ومتعد يقال سلكت الشئ فى الشئ ادخلته والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك. والمعنى جعل لكم اى لاجلكم لا لغيركم طرقا كثيرة ووسطها بين الجبال والاودية والبرارى تسلكونها من قطر الى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها { وانزل } النزول هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته ونزل فى مكان كذا حط رحله فيه وانزل غيره { من السماء } اى من الفلك او من السحاب فان كل ما علا سحاب { ماء } هو جسم سيان قد احاط حول الارض والمراد هنا المطر وهو الاجزاء المائية اذا التأم بعضها مع بعض ونكره قصدا الى معنى البعضية اى انزل من السماء بعض الماء { فاخرجنا به } يقال خرج خروجا برز من مقره او حاله او اكثر ما يقال الاخراج فى الاعيان اى انبتنا بسببه ذكر الماء وعدل عن لفظة الغيبة الى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تنبيها على زيادة اختصاص الفعل بذاته وان ذلك منه ولا يقدر عليه غيره تعالى { ازوجا } اصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض لانه يقال لكل ما يقترن بآخر مماثلا له او مضادا زوج ولكل قرينين من الذكر والانثى فى الحيوانات المتزاوجة زوج ولكل قرينين فيها وفى غيرها زوج كالخف والنعل { من نبات } هو كل جسم يغتذى وينمو كما قال الراغب النبت والنبات ما يخرج من الارض من الناميأت سواء كان له ساق كالشجر او لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات ومتى اعتبرت الحقائق فانه يستعمل فى كل نام نباتا كان او حيوانا او انسانا انتهى ومن بيانية فيكون قوله { شتى } صفة للنبات لما انه فى الاصل مصدر يتسوى فيه الواحد والجمع. وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق اى نباتات مختلفة الانواع والطعوم والروائح والاشكال والمنافع بعضها صالح للناس على اختلاف وجود الصلاح وبعضها للبهائم والاظهر ان من نبات وشتى صفتان لازواجا واخر شتى رعاية للفواصل.