التفاسير

< >
عرض

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ منها } اى من الارض.
وفى التأويلات النجمية من قبضة التراب التى امر الله تعالى عزرائيل ان يأخذها من جميع الارض { خلقناكم } بوساطة اصلكم آدم والا فمن عدا آدم وحواء مخلوق من النطفة واصل الخلق التقدير المستقيم ويستعمل فى ابداع الشئ من غير اصل ولا احتذاء قال تعالى
{ خلق السموات والارض } ويستعمل فى ايجاد الشئ من الشىء كما فى هذا المقام { وفيها نعيدكم } عند الموت بالدفن فى الموضع الذى اخذ ترابكم منه وايثار كلمة فى للدلالة على الاستقرار والعود الرجوع الى الشئ بعد الانصراف عنه اما انصراف بالذات او بالقول والعزيمة واعادة الشئ كالحديث وغيره تكريره { ومنها نخرجكم تارة اخرى } اى عند البعث بتأليف الاجزاء وتسوية الاجساد ورد الارواح للحساب والجزاء وكون هذا الاخراج تارة اخرى باعتبار ان خلقهم من الارض اخراج لهم منها وان لم يكن على نهج التارة المثانية. والتارة فى الاصل اسم للتور الواحد وهو الجريان ثم اطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتجددة كما مر فى المرة: قال الحكيم فردوسى

بخاكت در آرد خداوند باك دكرره برون آرد از زير خاك
بدان حال كايى بخاك اندرون بدان كونه از خاك آيى برون
اكر باك درخاك كيرى مقام برآيى از وباك وباكيزه نام

عن ابن عباس رضى الله عنه "ان جبريل جاء الى النبى عليه السلام فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى اراك مغموما حزينا قال عليه السلام يا جبريل طال تفكرى فى امر امتى يوم القيامة قال أفى امر اهل الكفر ام فى امر اهل الاسلام فقال يا جبريل فى امر اهل لا اله الا الله محمد رسول الله فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت فقال قم باذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الايسر فقال قم باذن الله فخرج رجل مسود الوجه ازرق العينين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تموتون كما تعيشون وتنبعثون كما تموتون"
قيل ليحيى بن معاذ رضى الله عنه ما بال الانسان يحب الدنيا قال حق له ان يحبها منها خلق وهى امه ومنها عيشه ورزقه فهى حياته وفيها يعاد فهى كفاته وفيها كسب الجنة فهى مبدأ سعادته وهى ممر الصالحين إلى الله تعالى فكيف لا يحب طريقاً يأخذ بسالكه الى جوار ربه.
واعلم ان من صفة الارض الطمأنينة والسكون لفوزها بوجود مطلوبها فكانت اعلى مرتبة فى عين السفل وقامت بالرضى فمقامها رضى وحالها تسليم ودينها اسلام وهكذا الانسان الكامل فى الدنيا فان الله تعالى قد صاغه من قالب الارض وهووان كان ترابى الاصل لكن طرح عليه اكسير الروح الاعظم فاذا طار الروح بقيت سبيكة الجسد على حالها كالذهب الخالص اذ لا تبلى نفوس الكمل.
قال فى اسئلة الحكم الأكثرون على تفضيل الارض على السماء لان الانبياء خلقوا من الارض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الارض دار الخلافة ومزرعة الآخرة واما الارض الاولى فقال بعضهم انها افضل لكونها مهبط الوحى ومشاهد الانبياء وللانتفاع بها ولاستقرار الخلفاء عليها وغيرها من الفضائل انتهى.
يقول الفقير كان الظاهر ان تفضل السماء لكونها مقر الارواح العالية ولذا يبقى الجسد هنا بعد الوفاة ويعرج الروح ولكن فضل الارض لان اسباب العروج انما حصلت بالآلات الجسدانية وهى من الارض ولذا جعل عليه السلام الصلاة من الدنيا فى قوله
"حببت الىّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة" وذلك لان صورة الصلاة التى هى الافعال والاذكار تحصل بالاعضاء والجوارح التى هى من الدنيا وعالم الملك وان كان القلب والتوجه من عالم الملكوت نسأل الله تعالى ان يجعلنا من المتحققين بحقائق الارض والمعرضين عن كل طول وعرض.