التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ
٦٩
-طه

روح البيان في تفسير القرآن

{ والق ما فى يمينك } اى عصاك والابهام لتفخيم شأنها والايذان بانها ليست من جنس العصى المعهودة لانها مستتبعة لآثار غريبة { تلقف ما صنعوا } بالجزم جواب للامر من لقفه كسمعه لقفاة بسكون القاف وفتحها اذا ابتلعه والتقمه بسرعة.
قال فى المفردات لقفت الشئ القفه وتلقفته تناولته بالجذب سواء كان تناوله بالفم او باليد
انتهى والتأنيث لكون ما عبارة عن العصا والصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا ولا تنسب الى الحيوانات والجمادات كما ينسب اليها الفعل. والمعنى تبتلع وتلقم ما صنعوه من الحبال والعصى التى خيل اليك سعيها وخفتها والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والايذان بالتموية والتزوير اى زوّروه وافتعلوه { ان ما صنعوا } ما موصولة او موصوفة اى ان الذى صنعوه او ان شيئا صنعوه { كيد ساحر } بالرفع على انه خبر لان اى كيد جنس الساحر ومكره وحيلته وتنكيره للتوسل به الى تنكير ما اضيف اليه للتحقير والكيد ضرب من الاحتيال يكون محمودا او مذموما وان كان يستعمل فى المذموم اكثر وكذلك الاستدراج والمكر { ولا يفلح الساحر } اى لا يدرك بغيته هذا الجنس { حيث اتى } من الارض وعمل السحر فيها وهو من تمام التعليل. وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ما فى يمينك هو مصنوعى وكيدى وما صنعه السحرة انما هومصنوعهم وكيدهم ولا يفلح الساحر ومصنوعه وكيده حيث اتى مصنوعى وكيدى لان كيدى متين.
واعلم ان الفلاح دنيوى وهو الظفر بالسعادات التى تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز واخروى وهو اربعة اشياء بقاء لا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ففلاح اهل الدنيا كالفلاح لان عاقبته خيبة وخسران ألا ترى ان من قال لاستاذه لم اى اعترض عليه لن يفلح ابدا وقد رأينا بعض المعترضين قد اوتى مالا وجاها ورياسة فهو فى تقلبه خائب خاسر وقس عليه سائر المخالفين من اهل المنكرات.
قال فى نصاب الاحتساب الساحر اذا تاب قبل ان يؤخذ تقبل توبته وان اخذ ثم تاب لم تقبل توبته.
وفى شرح المشارق للشيخ اكمل روى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن ابى حنيفةرحمه الله انه قال فى الساحر يقتل اذا علم انه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله انى اترك السحر واتوب منه فاذا اقر انه ساحر فقد حل دمه وان شهد عليه شاهدان بالسحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم انها سحر قتل ولا يستتاب انتهى.
وفى شرح رمضان على شرح العقائد ان الساحر يقتل ذكرا او انثى اذا كان سعيه بالافساد والاهلاك فى الارض واذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الانثى انتهى.
وفى الفروع لا تقتل الساحرة المسلمة ولكن تضرب وتحبس لانها ارتكبت جريمة عظيمة وانما لا تقتل لان النبى عليه السلام نهى عن قتل النساء مطلقا.
وفى الاشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة فى الدنيا والآخرة الاجماعة الكافر بسبب النبى وبسب الشيخين او احدهما وبالحسر ولو امرأة وبالزندقة اذا اخذ قبل توبته انتهى. وفى فتاوى قارئ الهداية الزنديق من يقول ببقاء الدهر اى لا يؤمن بالآخرة ولا الخالق ويعتقد ان الاموال والحرم مشتركة.
وقال فى موضع آخر هو الذى لا يعقتد الها ولا بعثا ولا حرمة شئ من الاشياء وفى قبول توبته روايتان والذى ترجح عدم قبول توبته انتهى. قال فى شرح الطريقة السحر فى اللغة كل ما لطف ودق منه السحر للصبح الكاذب وقوله عليه السلام
"ان من البيان لسحرا" وبابه منع وفى العرف اراءة الباطل فى صورة الحق وهو عندنا امر ثابت لقوله عليه السلام "السحر حق والعين حق"
وفى شرح الامالى السحر من سحر يسحر سحر اذا خدع احدا وجعله مدهوشا متحيرا وهذا انما يكون بان يفعل الساحر شيئا يعجز عن فعله وادراكه المسحور عليه.
وفى كتاب اختلاف الائمة السحر رقى وعزائم وعقد تؤثر فى الابدان والقلوب فيمرض ويقتل ويرفق بين المرء وزوجه وله حقيقة عند الائمة الثلاثة.
وقال الامام ابو حنيفةرحمه الله لا حقيقة له ولا تأثير له فى الجسم وبه قال ابو جعفر الاسترابادى من الشافعية.
وفى شرح المقاصد السحر اظهار امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيها التعلم والتعليم.
وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة والكرامة وبانه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين وبانه يخص الازمنة او الامكنة او الشرائط وبانه قد يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد فى الاتيان بمثله وبان صاحبه ربما يعلن بالفسق ويتصف بالجرس فى الظاهر والباطن والخزى فى الدنيا والآخرة وهو اى السحر عند اهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا وكذا الاصابة بالعين.
وقال المعتزلة بل هو مجرد اراءة مالا حقيقة له بمنزلة الشعوذة التى سببها خفة حركات اليد او اخفاء وجه الحيلة وفيه لنا وجهان الاول يدل على الجواز والثانى يدل على الوقوع اما الاول فهو امكان الامر فى نفسه وشمول قدرة الله تعالى فانه هو الخالق وانما الساحر فاعل وكاسب وايضا فيه اجماع الفقهاء وانما اختلفوا فى الحكم واما الثانى فهو قوله تعالى
{ يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت ومارون } الى قوله { ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله } وفيه اشعار بانه ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وبان المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده.
فان قيل قوله تعالى فى قصة موسى
{ يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } يدل على انه لا حقيقة للسحر وانما هو تمويه وتخييل. قلنا يجوز ان يكون سحرهم هو ايقاع ذلك التخييل وقد تحقق ولو سلم فكون اثره فى تلك الصورة هو التخييل لا يدل على انه لا حقيقة له اصلا. ثم ان السحر خمسة انواع فى المشهور. منها الطلسم قيل هو مقلوب المسلط وهو جمع الآثار السماوية مع عقاقير الارض ليظهر منها امر عجيب. ومنها النيرنج قيل هو معرب "نيرنك" وهو التمويه والتخييل قالوا ذلك تمزيج قوى جواهر الارض ليحدث منها امر عجيب. ومنها الرقية وهو الافسود معرب "آب سون" هو النفث فى الماء وسمى به لانهم ينفثون فى الماء ثم يشربونه او يصبون عليه وانما سميت رقية لانها كلمات رقيت من صدر الراقى فبعضها فهلوية وبعضها قبطية وبعضها بلا معنى يزعمون انها مسموعة من الجن او فى المنام. ومنها الخلقطيرات وهى خطواط عقدت عليها حروف واشكال اى حلق ودوائر يزعمون ان لها تأثيرات بالخاصية. ومنها الشعبذة ويقال لها الشعوذة معرب "شعباذة" اسم رجل ينسب اليه هذا العلم وهى خيالات مبنية على خفة اليد واخذ البصر فى تقليب الاشياء كالمشى على الارسال واللعب بالمهارق والحقات وغير ذلك والمذهب ان التأثير الحاصل عقيب الكل هو فعل الله تعالى على وفق اجراء عادته ووجه الحكمة فيه لا يعلمه الا هو سبحانه.
قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية ان التأثير الحاصل من الحروف واسماء الله تعالى من جنس الكرامات اى اظهار الخواص بالكرامة فان كل احد لا يقدر على الاستخراج خواص الاشياء