التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
١
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ اقترب للناس حسابهم } يقال قرب الشئ واقترب اذا دنا وقربت منه ولذا قال فى العيون اللام بمعنى من وهى متعلقة بالفعل وتقديمها على الفاعل للمسارعة الى ادخال الروعة فان نسبة الاقتراب اليهم من اول الامر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا من المقترب والمراد بالناس المشركون المنكرون للبعث من اهل مكة كما يفصح عنه ما بعده من الغفلة والاعراض ونحوهما. والحساب بمعنى المحاسبة وهو اظهار ما للبعد وما عليه ليجازى على ذلك والمراد باقتراب حسابهم اقترابه فى ضمن اقتراب الساعة وسمى يوم القيامة بيوم الحساب تسمية للزمان باعظم ما وقع فيه واشده وقعا فى القلوب فان الحساب وهو الكاشف عن حال المرء ومعنى اقترابه لهم تقاربه ودنوه منهم بعد بعده عنهم فانه فى كل ساعة من ساعات الزمان اقرب اليهم من الساعة السابقة مع ان ما مضى اكثر مما بقى وفى الحديث "اما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس" وانما لم يعين الوقت لان كتمانه اصلح كوقت الموت. والمعنى دنا من مشركى قريش وقت محاسبة الله اياهم على اعمالهم السيئة الموجبة للعقاب يعنى القيامة.
وقال الكاشفى نقلا عن بعض [نزديك شد وقت مؤاخذت وياد داشت ايشان كه قتل وكرفتارئ روز بدرست].
يقول الفقير هذا هو الاظهر عندى لان زمان الموت متصل بزمان القيامة فاقتراب وقت مؤاخذتهم بالقتل ونحوه فى حكم اقتراب وقت محاسبتهم بالقيامة ومثله من مات فقد قامت قيامته { وهم فى غفلة } الغفلة سهو يعترى من قلة التحفظ والتيفظ اى والحال انهم فى غفلة تامة من الحساب على النقير والقطمير والتأهب له ساهون عنه بالكلية لا انهم غير مبالين مع اعترافهم باتيانه بل منكرون له كافرون به مع اقتضاء عقولهم لان الاعمال لا بدلها من الجزاء والالزم التسوية بين المطيع والعاصى وهى بعيدة عن مقتضى الحكمة والعدالة { معرضون } عن الايمان والآيات والنذر المنبهة لهم من سنة الغفلة يقال اعرض اى ولى مبديا عرضه اى ناحيته وهما خبران للضمير وحيث كانت الفغلة امرا جبليا لهم جعل الخبر الاول ظرفا مبنيا عن الاستقرار بخلاف الاعراض والجملة حال من الناس.
وفى التأويلات النجيمة واذا نصحهم ناصح واقف على احوالهم فهم معرضون عن استماع قوله ونصيحته كما قال
{ ولكن لا تحبون الناصحين } : قال الشيخ سعدى

كسى راكه بندار در سر بود بمندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيداز وعظ ننك شقائق بباران زويد زسنك

وفى العرائس للبقلى ان الله تعالى حذر الجمهور من مناقشته فى الحساب وزجرهم حتى ينتهوا عن رقاد الغفلات وقرب الحساب اقرب من كل شئ منهم لو يعلمون فانه تعالى يحاسب العباد فى كل لمحة ونفس وحسابه ادق من الشعر واخفى من دبيب النمل على الصفا ولا يعرف ذلك الا المراقبون الذين يحاسبون فى كل نفس وخطوة وهم فى غفلة وفى حجاب عن مشاهدة الله معرضون عن طاعته اذ لا حظ لهم فى الطاعات ولا شرب لهم فى المشاهدات.