التفاسير

< >
عرض

لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
٢٣
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا يسئل } الله تعالى { عما يفعل } ويحكم { وهم } اى العباد { يسئلون } عما يفعلون نقيرا وقطميرا والسؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة والاشارة.
فان قيل ما معنى السؤال بالنسبة الى الله تعالى. قلنا تعريف للقوم وتبكيتهم لا تعريف لله تعالى فانه علام الغيوب فالسؤال كما يكون للاستعلام يكون للتبكيت وانما لا يسأل سؤال انكار ويجوز السؤال عنه على سبيل الاستكشاف والبيان كقوله
{ قال رب أنى يكون لى غلام } وعلى سبيل التضرع والحاجة كقوله تعالى حكاية عن الكافر { رب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا
} قال فى بحر العلوم انما لا يسأل عما يفعل لانه رب مالك علام لا نهاية لعلمه وكل من سواه مربوب مملوك جاهل لا يعلم شيئا الا بتعليم فليس للمملوك الجاهل ان يتعرض على سيده العليم بكل شئ فيما يفعل ويقول لم فعلت وهلا فعلت مثلا وهم يسألون لانهم مملوكون مستعبدون خطاؤون فيقال لهم فى كل شئ فعلوه لم فعلتم.
واعلم ان الاعتراض شؤم يسخط الرب ويوجب عقابه وسخطه: قال الحافظ

مزن زجون وجرادكم كه بنده مقبل قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت

وبشؤم الاعتراض على الله فى فعله لعن ابليس وكان من مردة الكافرين فانه تعالى لما امره بالسجود قال { أاسجد لمن خلقت طينا } وبشؤم الاعتراض فى شأن بنى آدم اصاب الملكين هاروت وماروت ما اصابهم فهذا بالاعتراض فى شأن المخلوق فكيف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض على الله والتعمق فى الخوض فى صفاته هلك الهالكون من اهل الاهواء وارباب الآراء تعمقوا فيما لم يتعمق فيه اصحاب رسول الله والتابعون ومن تبعهم من اهل الحق وتكلفوا الخوض فيه ووقعوا فى الشبهات فضلوا واضلوا ولو لم يتعمقوا لسلموا وقد اتفقت كلمة اهل الحق على ان الاعتراض على الله الملك الحق فى فعله وما يحدثه فى خلقه كفر فلا يجترئ عليه الا كافر وجاهل ضال.
وكذا الاعتراض على النبى عليه السلام فانه انما يقول عن الحق لا عن الهوى فالاعتراض عليه اعتراض على الحق وفيه الهلاك.
قال ابو هريرة رضى الله عنه سمعت رسول الله يقول
"يا ايها الناس كتب عليكم الحج فقام عكاشة بن محصر فقال أكل عام يا رسول الله فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتموها لضللتم اسكتوا عنى كما سكت عنكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فانزل الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم }" الآية.
ومن اشد التشنيع واقبح الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روى عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى ان قال لا مخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام من حيث قال(حبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة) فقلت أما تستحى من الله تعالى فانه ما قال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد من عند الله ثم حصل لى هم وغم فرأيت النبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفيناك امره ثم سمعت انه قتل.
قال الفقهاء من عيره عليه السلام بالميل الى نسائه قاصدا به النقص يقتل قاتله الله تعالى.
يقول الفقير

شب بره ميطلبد بدر تمامت نقصان اونداندكه ابدنور توظاهر باشد
هركه ازروى جدل برتوسخن ميراند بمثل شد اكرش بو على كافر باشد

واما الاعتراض على الاولياء والمشايخ من العلماء فانه يحرم الخير ويقطع بركة الصحبة وزيادة العلم يدل على ذلك شأن موسى والخضر عليهما السلام نهاه عن الاعتراض عليه فيما يفعل بقوله { فلا تسألنى عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا } فاعترض عليه فناداه الخضر بالفراق فحرم بركة صحبته وانقطعت بركة الزيادة من علمه والخير الذى جعله الله معه. ومن شؤم الاعتراض ما كان من امر الخوارج اعترضوا على على رضى الله عنه وخرجوا عليه فخرجوا من الدين وصاروا كلاب النار وشر قتلى تحت اديم السماء.
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين الله فرؤى بعد ذلك مع المخنثين وسرق فقطعت يده هذا حظ المعترض فى الدنيا واما حاله فى الآخرة فلا يكلمه الله ولا ينظر اليه وله عذاب اليم فى نار القطيعة والهجران: يقول الفقير

هين مكن بامر شد كامل جدل تانباشد كمرهى اورا بدل