التفاسير

< >
عرض

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ كل نفس ذائقة الموت } برهان على ما يمكن من خلودهم والمراد النفس الناطقة الى هى الروح الانسانية وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها اى ذائقة مرارة المفارقة والذوق هذا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لان الموت ليس من المطعوم حتى يذاق بل الذوق ادراك خاص فيجوز جعله مجازا عن اصل الادراك والموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة وباصطلاح اهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيى.
قال الراغب انواع الموت بحسب النواع الحياة الاول ما هو بازاء القوة النامية الموجودة فى الانسان والحيوانات والنبات نحو
{ اعلموا ان الله يحيى الارض بعد موتها } والثانى زوال القوة الحساسة نحو { { ويقول الانسان ائذا مامت لسوف اخرج حيا } والثالث زوال القوة العاقلة وهى الجهالة نحو { انك لا تسمع الموتى } والرابع الحزن المكدر للحياة نحو { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } والخامس المنام فقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وعلى هذا النحو سماه الله تعالى توفيا فقال { وهو الذى يتوفاكم بالليل } وقوله { كل نفس ذائقة الموت } عبارة عن زوال القوة الحيوانية وابانة الروح عن الجسد انتهى باجمال.
وفى التعريفات النفس هى الجوهر البخارى اللطيف الحامل لقوة الحياة والحسن والحركة الارادية وسماه الحكيم الروح والحيوانى فهى جوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه فالنوم والموت من جنس واحد لان الموت هو الانقطاع الكلى والنوم هو الانقطاع الناقص.
والحاصل انه ان لم ينقطع ضوء جوهر النفس عن ظاهر البدن وباطنه فهو اليقظة وان انقطع عن ظاهره دون باطنه فهو النوم او بالكلية فهو الموت.
يقول الفقير يفهم منه ان الموت انقطاع ضوء الروح الحيوانى عن ظاهر البدن وباطنه وهذا الروح غير الروح الانسانى الذى يقال له النفس الناطقة اذ هو جوهر مجرد عن المادة فى ذاته مقارن لها فى فعلها ويؤيده ما فى انسان العيون من ان الروح عند اكثر اهل السنة جسم لطيف مغاير للاجسام ماهية وهيئة متصرف فى البدن حال فيه حلول الدهن فى الزيتون يعبر عنه بانا وانت واذا فارق البدن مات.
وقول بعض الروحانيين ايضا ان الله تعالى جمع فى طينة الانسان الروح الملكى النورانى العلوى الباقى ليصير مسبحا ومقصدا كالملك باقيا بعد المفارقة والروح الحيوانى الظلالى السفلى الفانى ليقبل الفناء الذى يعبر عنه بالموت.
وقول بعضهم ايضا ذكر النفوس لا القلوب والارواح لانها تتجلى حياة الحق لها فاذا انسلخت الارواح من الاشباح انهدمت جنابذ الهياكل ورجعت الارواح الى معادن الغيب ومشاهدة الرب.
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض تحريراته اعلم ان الروح من حيث جوهريته وتجرده وكونه من عالم الارواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه ودوامه ومن حيث ان البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه فى عالم الشهادة محتاج اليه غير منفك عنه بل سارى فيه لا كسريان الحلول المشهور عند اهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى الاشياء وان الاشياء من أى وجه عينه ومن اى وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن وانه من أى وجه عينه ومن أى وجه غيره لان الروح رب بدنه ويتحقق له ما ذكرنا وهو الهادى الى العلم والفهم انتهى كلام الشيخ قدس سره وهو العمدة فى الباب فظهر ان اطلاق النفس على الروح الانسانى انما هو لتعينه بتعين الروح الحيوانى فهو المفارق فى الحقيقة فافهم جدا.
قال الجنيد قدس سره من كان بين طرفى فناء فهو فان ومن كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فان ينقل من حياة الطبع الى حياة الاصل وهى الحياة فى الحقيقة.
قال بعضهم ظهور الكرامة من الاولياء انما هو بعد الموت الاختيارى اى بوجوده لا بفقده فالموت لا ينافى الكرامة فالاولياء يظهرونها بعد وفاقتهم الصورية ايضا كذا فى كشف النور: قال الصائب

مشوبمرك زامداد اهل دل نوميد كه خواب مردم آكاه عين بيداريست

وفى عمدة الاعتقاد للنسفى كل مؤمن بعد موته مؤمن حقيقة كما فى حال نومه وكذا الرسل والانبياء عليهم السلام بعد وفاتهم رسل والانبياء حقيقة لان المتصف بالنبوة والايمان الروح وهو لا يتغير بالموت انتهى. واذ قد عرفت ان المراد بالنفس هى الروح لا معنى الذات فلا يرد أن الله نفسا كما قال { تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك } مع ان الموت لا يجوز عليه وكذا الجمادات لها نفس وهى لا تمون وفى الحديث "آجال البهائم كلها والخشاش والدواب كلها فى التسبيح فاذا انقضى تسبيحها اخذ الله ارواحها وليس الى ملك الموت من ذلك شئ" وفى الحديث "لا تضربوا اماءكم على كسر انائكم فان لها آجالا كاجالكم" - روى" - عن عائشة رضى الله عنها انها قالت استأذن ابو بكر رضى الله عنه على رسول الله وقدمات وسجى عليه الثوب فكشف عن وجهه ووضع فمه بين عينيه ووضع يديه بين صدغيه وقال وانبياه واخليلاه واصفياه صدق الله ورسوله { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت } ثم خرج الى الناس فخطب وقال فى خطبته من كان يعبد محمد فان محمدا قد مات ومن كان يعبد ربه فان رب محمد حى لا يموت ثم قرأ { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم } الآية.
قال الكاشفى [هركه قدم از دروازه عدم بفضاى صحراى وجودنهاده بضرورت شربت فنا خواهد نوشيد ولباس ممات ووفات خواهد بوشيد]

هركه آمد بجهان اهل فنا خواهد بود وانكه باينده وباقيست خدا خواهد بود

{ ونبلوكم } اى نعاملكم ايها الناس معاملة من يبلوكم ويختبركم كما قال الامام انما سمى ابتلاء وهو عالم بما سيكون لانه فى صورة الاختبار { بالشر والخير } بالبلايا والنعم كالفقر والالم والشدة والغنى واللذة والسرور هل تصبرون وتشكرون اولا.
وقال بعضهم بالقهر واللطف والفراق والوصال والاقبال والادبار والمحنة والعافية والجهل والعلم والنكرة والمعرفة.
قال سهل نبلوكم بالشر وهو متابعة النفس والهوى بغير هدى والخير العصمة من المعصية والمعونة على الطاعة { فتنة } اى بلاء واختبارا فهو مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه واصل الفتن ادخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته.
وعن ابى امامة رضى الله عنه قال قال النبى عليه السلام
"ان الله يجرب احدكم بالبلاء كما يجرب احدكم ذهبه بالنار فمنه ما يخرج كالذهب فذاك الذى افتتن" : قال الحافظ

خوش بود كرمحك تجربه آيد بميان تاسيه روى شود هركه دروغش باشد

:قال الخجندى

نقد قلب وسره عالم را عشق ضراب ومحبت محكست

قال الراغب يقال بلى الثوب بلى اى خلق وبلوته اختبرته كأنى اخلقته من كثرة اختبارى له وسمى الغم بلاء من حيث انه يبلى الجسم.
ويسمى التكليف بلاء من اوجه. الاول ان التكاليف كلها مشاق على الابدان فصارت من هذا الوجه بلاء. والثانى انها اختبارات والثالث ان اختبار الله تعالى تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فصارت المحنة والمحنة جميعا بلاء فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر ايسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة اعظم البلاءين وبهذا النظر قال عمر رضى الله عنه "بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر" ولهذا قال امير المؤمنين رضى الله عنه (من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله) واذا قيل ابتلى فلانا بكذا وبلاه فذلك يتضمن امرين احدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من امره والثانى ظهور جودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من امره اذ كان الله علام الغيوب { والينا ترجعون } لا الى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فنجازيكم على ما وجد منكم من الخير والشر فهو وعد ووعيد وفيه ايماء الى ان المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب.
واعلم ان المجازاة لا تسعها دارالتكليف فلا بد من دار اخرى لا يصار اليها الا بالموت والنشور فلا بد لكل نفس من ان تموت ثم تبعث.
قال بعضهم فائدة حالة المفارقة رفع الخبائث التى حصلت للروح بصحبة الاجسام وفائدة حالة الاعادة حصول التنعمات الاخروية التى اعدت لعباد الله الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ونبلوكم بالشر والخير } الى انا نبلوكم بالمكروهات التى تسمونها شرا وهى الخوف والجوع والنقص من الاموال والانفس والثمرات وان فيها موت النفس وحياة القلب ونبولكم بالمحبوبات التى تسمونها الخير وهى الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وفيها حياة النفس وموت القلب وكلتا الحالتين ابتلاء فمن صبر على موت النفس عن صفاتها بالمكروهات وعن الشهوات فله البشارة بحياة القلب واطمئنان النفس وله استحقاق الرجوع الى ربه بجذبة ارجعى الى ربك باللطف كما قال { والينا ترجعون } فيصير ما يحسبه شرا خيرا كما قال له تعالى
{ وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم } ومن لم يصبر على المكروهات وعن الشهوات المحبوبات ولم يشكر عليها باداء حقوق الله فيها فله العذاب الشديد من كفران النعمة ويصير ما يحسبه خيرا شرا له كما قال تعالى { وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم } فيرجع الى الله بالقهر فى السلاسل والاغلال انتهى فعلى العاقل الصبر على الفقر ونحوه مما يعد مكروها عند النفس: قال الحافظ

درين بازار كرسوديست بادرويش خرسندست الهى منعمم كردان بدرويشى وخر سندى