التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما جعلناهم } اى الرسل { جسدا } الجسد جسم الانسان والجن والملائكة.
قال الراغب الجسد كالجسم لكنه اخص فان الجسد ما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء ونصبه على انه مفعول ثان للجعل لا بمعنى جعله جسدا بعد ان لم يكن كذلك كما هو المشهور من معنى التصيير بل بمعنى جعله كذلك ابتداء على طريقة قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل { لا يأكلون الطعام } صفة له والطعام البر وما يؤكل والطعم تناول الغذاء اى وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الاكل والشرب بل محتاجا الى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه { وما كانوا خالدين } لان مآل التحل هو الفناء لا محالة والخلود تبرئ الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها والمراد اما المكث المديد كما هو شأن الملائكة او الابدى وهم معقتدون انهم لا يموتون. والمعنى جعلناهم اجسادا متغذية صائرة الى الموت بالآخرة على حسب آجالهم لا ملائكة ولا اجساد مستغنية عن الاغذية مصونة عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلود كخلودهم.
وقال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الانبياء والاولياء خلقوا محتاجين الى الطعام بخلاف الملائكة وذلك لا يقدح فى النبوة والولاية بل هو من لوازم احوالهم وتوابع كمالهم فان لهم فيه فوائد جمة منها ان الطعام للروح الحيوانى الذى هو مركب الروح الانسانى كالدهن للسراج وهو منبع جميع الصفات النفسانية الشهوانية وهو مركب الشوق والمحبة التى بها يقطع السالك الصادق مسالك البعاد ويعبر العاشق مهالك الفراق للوصول الى كعبة الوصال.
ومنها ان كل الطعام من نتائج الهوى وهو يميل النفس الى مشتهياتها والسير الى الله بحسب نهى النفس عن الهوى كقوله تعالى
{ ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى } ولذا قال المشايخ لولا الهوى ما سلك احد طريقا الى لالله. ومنها ان كثيرا من علم الاسماء التى علم الله آدم منوط باكل الطعام مثل علم ذوق المذوقات وعلم التلذذ بالمشتهيات وعلم لذة الشهوة وعلم الجوع وعلم العطش وعلم الشبع والرى وعلم هضم الطعام وثقله وعلم الصحة والمرض وعلم الداء والدواء وامثاله والعلوم التى تتعلق به كعلوم الطب باجمعها والعلوم التى هى توابعها كمعرفة الادوية والحشائش وخواصها وطباعها وغيرها على هذا القدر من الفوائد الجمة فافهم جدا - حكى - ان واحدا من الصوفية المتحققين بحقائق تجلى الصمدية لم يأكل طعاما ستة اشهر فالح عليه شيخه بالاكل لما ان الكمال المحمدى فى الافطار والامساك والسهر والمنام ونحو ذلك لافى الرهبانية المذمومة وفى المثنوى

هين مكن خودرا خصى رهبان مشو زانكه عفت هست شهوت را كرو
بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود هم غزا بر مردكان نتوان نمود
بس كلوا ازبهر دام شهوتست بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست
جونكه رنج صبر نبود مرترا شرط نبود يس فرونايد جزا
حبذا آن شر وشادا آن جزا آن جزاى دلنواز جانفزا

قال الشافعىرحمه الله اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة. زهد خصى. وتقوى جندى. وامانة امرأة. وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى.