التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١٤
-المؤمنون

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } الله تعالى { ان } ما { لبثتم الا قليلا } تصديقا لهم فى تقليلهم لسنى لبثهم فى الدنيا وقليلا صفة مصدر محذوف اى لبثا قليلا او زمان محذوف اى زمانا قليلا { لو انكم كنتم تعلمون } لعلمتم يومئذ قلة لبثكم فيها كما علمتم اليوم، وفى بحر العلوم اى لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لما اجبتم بهذه المدة فعلى العاقل ان يتدارك حاله ويصلح اعماله قبل ان تنفد الانفاس وينهدم الاساس: قيل

ألا انما الدنيا كظل سحابة اظلتك يوما ثم عنك اضمحلت
فلاتك فرحانا بها حين اقبلت ولا تكك جزعانا بها حين ولت

قال ارد شير بن بابك بن ساسان وهو اول ملك من آل ساسان لا تركنن الى الدنيا فانها لا تبقى على احد ولا تتركها فان الآخرة لا تنال الا بها، قال العلامة الزمخشرى استغنم تنفس الاجل وامكان العمل واقطع ذكر المعاذير والعلل فانك فى اجل محدود وعمر غير ممدود قال الشيخ سعدى قدس سره

كنون وقت تخمست اكر برورى كر اميد وار اى كه خرمن برى
بشهر قيامت مرو تنكدست كه وجهى ندارد بغفلت نشست
غنيمت شمر اين كرامى نفس كه بى مرغ قيمت ندارد قفس
مكن عمر ضايع بافسوس و حيف كه فرصت عزيزست والوقت سيف

قال بعض الكبار لو علمت ان ما فات من عمرك لا عوض له لم يصح منك غفلة ولا اهمال ولكنت تأخذ بالعزم والحزم بحيث تبادر الاوقات وتراقب الحالات خوف الفوات عاملا على قول القائل

السباق السباق قولا وفعلا حذر النفس حسرة المسبوق

وما حصل من عمرك اذا علمت ان لا قيمة له كنت تستغرق اوقاتك فى شكر الحاصل وتحصيل الواصل فقد قال على رضى الله عنه بقية عمر المرء مالها ثمن يدرك به منها ما فات ويحيى ما مات وفى الحديث "ما من ساعة تأتى على العبد لايذكر الله فيها الا كانت عليه حسرة يوم القيامة" ، واعلم ان العباد على قسمين فى اعمارهم فرب عمر اتسعت آماده وقلت امداده كاعمار بعض بنى اسرائيل اذ كان الواحد منهم يعيش الالف ونحوها ولم يحصل على شى مما يحصل لهذه الامة مع قصر اعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة امداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية الله بلمحة فمن بورك له فى عمره ادرك فى يسير من الزمان مالا يدخل تحت العبارة فالخذلان كل الخذلان ان تتفرع من الشواغل ثم لاتتوجه اليه بصدق النية حتى يفتح عليك بما لاتصل الهمم اليه وان تقل عوائقك ثم لا ترحل اليه عن عوالم نفسك والاستئناس بيومك وامسك فقد جاء خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ومعناه ان الصحيح ينبغى ان يكون مشغولا بدين او دنيا فهو مغبون فيهما.