التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
٧٠
-المؤمنون

روح البيان في تفسير القرآن

{ ام يقولون به جنة } انتقال الى توبيخ آخر والهمزة لانكار الواقع اى بل أيقولون به جنون: وبالفارسية [ياميكويند درو ديولكيست] مع انه ارجح الناس عقلا واثقبهم ذهنا واتقنهم رأيا واوفرهم رزانة { بل جاءهم بالحق } اى ليس الامر كما زعموا فى حق القرآن والرسول بل جاءهم الرسول بالصدق الثابت الذى لا ميل عنه ولا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه، قال الكشافى [يعنى اسلام ياسخن راست كه قرآنست] { واكثرهم للحق } من حيث هو حق اى حق كان لا لهذا الحق فقط كما ينبىء عنه الاظهار فى موقع الاضمار { كارهون } لما فى جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ولذلك كرهوا هذا الحق الا بلج وزاغوا عن الطريق الانهج وتخصيص اكثرهم بهذا الوصف لا يقتضى الا عدم كراهة الباقين لكل حق من الحقوق وذلك لاينافى كراهتهم لهذا الحق المبين، يقول الفقير لعل وجه التخصيص ان اكثر القوم وهم الباقون على الكفر كارهون للحق ولذا اصروا واقلهم وهم المختارون للايمان غير كارهين ولذا اقروا فان الحكمة الالهية جارية على ان قوم كل نبى اكثرهم معاند كما قال تعالى { ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين } }: قال الحافظ

كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

فالاقل وهم المستعدون كالجواهر النفيسة والازهار الطيبة والاكثر وهم غير المستعدين كلاحجار الخسيسة والنباتات اليابسة، واعلم ان الكفار كرهوا الحق المحبوب المرغوب طبعا وعقلا ولو تركوا الطبع والعقل واتبعوا الشرع واحبوه لكان خيرا لهم فى الدنيا والآخرة، ان قلت هل يعتد فى الآخرة بما يفعل الانسان فى الدنيا من الطاعة كرها، قلت لا فان الله تعالى ينظر الى السرائر ولايرضى الاخلاص ولهذا قال عليه السلام "انما الاعمال بالنيات" وقال "اخلص يكفك القليل من العمل"

عبادت باخلاص نيت نكوست وكرنه جه آيد زبى مغز بوست
اكرجز بحق ميرود جاده ات در آتش فشانند سجاده ات

ومن لطائق المولى الجامى

تهيست سبحة زاهد زكوهر اخلاص هزار بار من آنرا شمرده ام يك يك

ودلت الآية على ان ما هو مكروه عند الانسان لايلزم ان يكون مكروها عند الرحمن والله تعالى لا يحمل العباد الا على نعيم الابد وقد علم الحق تعالى قلة نهوض العباد الى معاملته التى لا مصلحة لهم فى الدراين الا بها فاوجب عليهم وجود طاعته ورتب عليها وجود ثوابه وعقوبته فساقهم اليها بسلاسل الايجاب اذ ليس عندهم من المروءة ما يردهم اليه بلا علة هذا حال اكثر الخلق بخلاف اهل المروءة والصفا وذوى المحبة والوفا الذين لم يزدهم التكليف الاشرفا فى افعالهم وزيادة فى نوالهم ولو لم يكن وجوب لقاموا للحق بحق العبودية ورعوا ما يجب ان يراعى من حرمة الربوبية حتى ان منهم من يطلب لدخول الجنة فيأبى ذلك طلبا للقيام بالخدمة فتوضع فى اعناقهم السلاسل من الذهب فيدخلون بها الجنة قيل ولهذا يشير عليه السلام بقوله "عجب ربكم من قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل" وفى الحديث اشارة ايضا الى ان بعض الكراهة قد يؤول الى المحبة ألا ترى الى احوال بعض الاسارى فانهم يدخلون دار الاسلام كرها ثم يهديهم الله تعالى فيؤمنون طوعا فيساقون الى الجنة بالسلاسل فالعبرة فى كل شىء للخاتمة، قال بعضهم من طالع الثواب والعقاب فاسلم رغبة ورهبة فهو انما اسلم كرها ومن طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فاسلم معرفة ومحبة فهو انما اسلم طوعا وهو الذي يعتد به عند اهل الله تعالى، فعلى العاقل ان يتدبر القرآن فيخلص الايمان ويصل الى العرفان والايقان بل الى المشاهدة والعيان والله تعالى ارسل رسوله بالحق فماذا بعد الحق الا الضلال.