التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً
٥٩
-الفرقان

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذى خلق السموات والارض } محل الموصول الجر على انه صفة اخرى للحى { وما بينهما } من الاركان والمواليد { فى ستة ايام } فى مدتها من ايام الدنيا لانه لم يكن ثمة شمس ولا قمر وذلك مع قدرته على خلقها فى اسرع لمحة ليعلم العباد ان التأنى مستحب فى الامور { ثم استوى على العرش } اصل الاستواء الاستقرار والتساوى واعتدال الشىء فى ذاته ومتى عدى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء والغلبة كما فى المفردات وهو المراد هنا ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك والسلطان. والمراد بيان نفاذ تصرفه فيه وفيما دونه ولكنه خص العرش بالذكر لكونه اعظم الاجسام { الرحمن } خبر مبتدأ محذوف اى الذى خلق الاجرام العلوية والسفلية وما بينهما هو الرحمن وهو تمهيد لما يأتى من قوله { واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن } وبيان ان المراد من الاستواء المذكور فى الحقيقة تعيين مرتبة الرحمانية { فاسأل به } متعلق بما بعده وهو { خبيرا } كما فى قوله { انه رؤوف رحيم } ونظائره اى فاسأل خبيرا بما ذكر من الخلق والاستواء يعنى الذى خلق واستوى لانه هو الخبير بافعاله وصفاته كما قال { ولا ينبئك مثل خبير } وقال { وما يعلم تأويله الا الله } ومن جعل قوله { والراسخون فى العلم } عطفا على الا الله يكون الخبير المسئول منه هو الراسخون فى العلم وقد مر تحقيق الآية فى سورة الاعراف وسورة يونس وسورة طه فارجع، وفى الفتوحات المكية لما كان الحق تعالى هو السلطان الاعظم ولابد للسلطان من مكان يكون فيه حتى يقصد بالحاجات مع انه تعالى لا يقبل المكان اقتضت المرتبة ان يخلق عرشا ثم ذكر انه استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج منه كل ذلك رحمة للعباد وتنزلا لعقولهم ولولا ذلك لبقى العبد حائرا لا يدرى اين يتوجه بقلبه وقد خلق الله تعالى القلب ذا جهة فلا يقبل الا ما كان له جهة وقد نسب الحق تعالى لنفسه الفوقية من سماء وعرش واحاطة بالجهات كلها بقوله { فأينما تولوا فثم وجه الله } وبقوله "ينزل ربنا الى سماء الدنيا" وبقوله عليه السلام "ان الله فى قبلة احدكم" وحاصله ان الله تعالى خلق الامور كلها للمراتب لا للاعيان انتهى.