التفاسير

< >
عرض

وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
-الفرقان

روح البيان في تفسير القرآن

{ وعباد الرحمن } دون عباد الدنيا والشيطان والنفس والهوى فانهم وان كانوا عبادا بالايجاد لكنهم ليسوا باهل لاضافة التشريف والتفضيل من حيث عدم اتصافهم بالصفات الآتية التى هي آثار رحمته تعالى الخاصة المفاضة على خواص العباد. والمعنى عباده المقبولون وهو مبتدأ خبره قوله { الذين يمشون } المشى الانتقال من مكان الى مكان بارادة { على الارض } التى هى غاية فى الطمأنينة والسكون والتحمل حال كونهم { هونا } هو السكينة والوقار كما فى القاموس وتذلل الانسان فى نفسه بما لايلحق به غضاضة كا فى المفردات وهين لين وقد يخففان ساكن متئد ملائم رقيق اى هينين لينى الجانب من غير فظاظة او يمشون مشيا هينا مصدر وصف به. والمعنى انهم يمشون بسكينة وتواضع لا بفخر وفرح ورياء وتجبر وذلك لما طالعوا من عظمة الحق وهيبته وشاهدوا من كبريائه وجلاله فخشعت لذلك ارواحهم وخضعت نفوسهم وابدانهم وفى الحديث "المؤمنون هينون لينون كالجمل الانف ان قيد انقاد وان انيخ على صخرة استناخ" وفى الصحاح انف البعير اشتكى انفه من البرة فهو انف ككتف وفى الحديث "المؤمن كالجمل ان قيد انقاد وان استنيخ على صخرة استناخ" وذلك للوجع الذى به فهو ذلول منقاد. قوله قيد مجهول قاد والقود نقيض السوق فهو من امام وذلك من خلف: والانقياد [كشيده شدن وكردن نهادن] يقال انخت الجمل فاستناخ اى ابركته فبرك، قال الشيخ سعدى

فروتن بود هو شمند كزين نهد شاخ برميوه سر بر زمين
جوسيل اندر آمد بهول ونهيب فتاد ازبلندى بسر در نشيب
جوشبنم بيفتاد مسكين وخرد بمهر آسمانش بعيوق بر

{ واذا خاطبهم الجاهلون } الجهل خلو النفس من العلم واعتقاد الشىء بخلاف ما هو عليه وفعل الشىء بخلاف ما حقه ان يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا او فاسادا كما يترك الصلاة عمدا وعلى ذلك قوله { أتتخذنا هزؤا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين } فجعل فعل الهزؤ جهلا. والمعنى واذا كلمهم السفهاء مواجهة بالكلام القبيح { قالوا سلاما } اى نطلب منكم السلام فيكون منصوبا باضمار فعل كما فى المفردات او انا سلمنا من اثمكم وانتم سلمتم من شرنا كما فى احياء العلوم، وقال بعضهم سلاما مصدر فعل محذوف اقيم مقام التسلم اى قالوا نتسلم منكم تسلما اى لانجاهلكم: والمجاهلة [باكسى سفاهت كردن] ولاتخالط بشىء من اموركم وهو الجهل وما يبتنى على خفة العقل فلا خير بيننا وبينكم ولا شر بل متاركة: بالفارسية [جفاى يكديكر بكذاشتن] واكثر المفسرين على ان السلام ليس عين عبارتهم بل صفة لمصدر محذوف. والمعنى قالوا قولا سلاما اى سدادا يسلمون فيه من الاذى والاثم [مراد ترك تعرض سفهاست واعراض از مكالمه ومجادله ايشان] كما قال المحقق الرومى

اكر كويند زراقى وسالوس بكوهستم دوصد جندان وميرو
وكر ازخشم دشنامى دهندت دعاكن خوش دل وخندان وميرو

قال الشيخ سعدى قدس سره

يكى بربطى دربغل داشت مست بشب درسر بارسايى شكست
جو روز آمد آن نيك مرد سليم بر سنك دل برد يك مشت سيم
كه دوشينه معذور بودى ومست ترا ومرا بربط وسر شكست
مرا به شد آن زخم ويرخاست بيم ترا به نخواهد شد الابسيم
اذان دوستان خدا بر سرند كه از خلق بسيار بر خر خورند

ثم ان قوله واذا بيان لحالهم فى المعاملة مع غيرهم اثر بيان حالهم فى انفسهم، وهذه الآية محكمة عند اكثرهم لان الحلم عن السفيه مندوب اليه والاغضاء عن الجاهل امر مستحسن فى الادب والمروءة والشريعة واسلم للعرض واوفق للورع وفى الحديث "اذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد اين اهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا الى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون انا نراكم سراعا الى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان فضلكم ما كان فضلكم فيقولون كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا اسيىء الينا غفرنا واذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين" وفى الحديث "رأيت قوما من امتى ما خلقوا بعد وسيكونون فيما بعد اليوم احبهم ويحبوننى يتناصحون ويتباذلون ويمشون بنور الله فى الناس رويدا فى خفية وتقية يسلمون من الناس ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم قلوبهم بذكر الله تطمئن ومساجدهم بصلاتهم يعمرون يرحمون صغيرهم ويجلون كبيرهم ويتواسون بينهم يعود غنيهم على فقيرهم يعودون مرضاهم ويتبعون جنائزهم فقال رجل من القوم فى ذلك يرفقون فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلا انه لا رفيق لهم هم خدام انفسهم هم اكرم على الله من ان يوسع عليهم لهوان الدنيا عند ربهم ثم تلا عليه السلام وعباد الرحمن" الآية، وقال بعضهم فى صفة عباد الرحمن العبادة حليتهم والفقر كرامتهم وطاعة الله حلاوتهم وحب الله لذتهم والى الله حاجتهم والتقوى زادهم والهدى مركبهم والقرآن حديثهم والذكر زينتهم والقناعة مالهم والعبادة كسبهم والشيطان عدوهم والحق حارسهم والنهار عبرتهم والليل فكرتهم والحياة مرحلتهم والموت منزلهم والقبر حصنهم والفردوس مسكنهم والنظر الى رب العالمين منيتهم، اعلم ان عباد الله كثير فمنهم عبدالرحمن ومنهم عبدالرزاق ومنهم عبدالوهاب الى غير ذلك ولكن لايكون المرء بمجرد الاسم عبدا حقيقة لا عبد الله ولا نحوه وذلك لان عبد الله هو الذى تجلى بجميع اسمائه تعالى فلا يكون فى عباده ارفع مقاما واعلى شانا منه لتحققه بالاسم الاعظم واتصافه بجميع صفاته ولذا خص نبينا عليه السلام بهذه الاسم فى قوله { وانه لما قام عبدالله يدعوه } فلم يكن هذا الاسم بالحقيقة الا له وللاقطاب من ورثته بتبعيته. وعبدالرحمن هو مظهر الاسم الرحمن فهو رحمه للعالمين جميعها بحيث لا يخرج احد من رحمته بحسب قابليته واستعداده. وعبدالرحيم هو مظهر الاسم الرحيم وهو يختص رحمته بمن اتقى واصلح ورضى الله عنه وينتقم ممن غضب الله عليه. وعبدالرزاق هو الذى وسع الله له رزقه فيؤثر به على العباد. وعبدالوهاب هو الذى تجلى له الحق باسم الجود فيهب ما يبنغى لمن ينبغى على الوجه الذى ينبغى بلا عوض ولاغرض ويمد اهل عنايته تعالى بالامداد جعلنا الله واياكم من المتحققين باسمائه الحسنى انه المطلب الاعلى والمقصد الاسنى.