التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً
٧٢
-الفرقان

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين لا يشهدون الزور } من الشهادة وهى الاخبار بصحة الشىء عن مشاهدة وعيان. والزور الكذب واصله تمويه الباطل بما يوهم انه حق، وقال الراغب الازور المائل الزور اى الصدر وقيل للكذب زور لكونه مائلا عن جهته وانتصابه على المصدرية والاصل لا يشهدون شهادة الزور باضافة العام الى الخاص فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه. والمعنى لا يقيمون الشهادة الكاذبة: وبالفارسية [كواهى دروغ ندهند]، واختلف الائمة فى عقوبة شاهد الزور، فقال ابو حنيفةرحمه الله لايعزر بل يوقف فى قومه ويقال لهم انه شاهد زور، وقال الثلاثة يعزر ويوقف فى قومه ويعرفون انه شاهد زور، وقال مالك يشهر فى الجوامع والاسواق والمجامع، وقال احمد يطاف به فى المواضع التى يشتهر فيها فيقال انا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه يجلد شاهد الزور اربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف فى الاسواق كما فى كشف الاسرار، قال ابن عطاءرحمه الله هى شهادة اللسان من غير مشاهدة القلب ويجوز ان يكون يشهدون من الشهود وهو الحضور وانتصاب الزور على المفعول به والاصل لا يشهدون مجالس الزور فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه. والمعنى لا يحضرون محاضر الكذب ومجالس الفحش فان مشاهدة الباطل مشاركة فيه من حيث انها دليل الرضى به كما اذا جالس شارب الخمر بغير ضرورة فانه شريك فى الاثم، واما الملامية وهم الذين لا يظهرون خيرا ولا يضمرون شرا لانفراد قلوبهم مع الله يمشون فى الاسواق ويتكلمون مع الناس بكلام العامة ويحضرون بعض مواضع الشرور لمشاهدة القضاء والقدر حتى يوافقوا الناس فى الشر فهم فى الحقيقة عباد الرحمن وهم المرادون بقوله عليه السلام "اوليائى تحت قبابى لايعرفهم غيرى" :قال الحافظ

مكن بنامه سياهى ملامت من مست كه آكهست كه تقدير برسرش جه نوشت

وقال الخجندى

برخيز كمال از سر ناموس كه رندان كردند اقامت بسر كوى ملامت

وقال بعضهم المراد بالزور اعياد المشركين واليهود والنصارى [يابازيكاه ايشان] كما فى تفسير الكاشفى، قال فى ترجمة الفتوحات [نبايد كه اهل ذمت ترابشرك خود فريب دهندكه نزد حق تعالى هلاك تو در آنست شيخ اكبر قدس سره الاطهر ميفر مايد كه دردمشق اين معنى مشاهده كردم كه زنان ومردان بانصارى مسامحت ميكنند وصغار واطفال خودرا بكنايس مى برند واز آب معموديه برسبيل تبرك برايشان مى افشا نند واينها قرين كفراست ياخود نفس كفراست وآنرا هيج مسلمانى نبسندد] وفى قاضى خان رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره فى غير ذلك اليوم ان اراد به تعظيم ذلك اليوم كما عظمه الكفرة يكون كفرا وان فعل ذلك لاجل الشرب والتنعم يوم النيروز لايكون كفرا انتهى والمراد نيروز النصارى لانيروز العجم كما هو الظاهر من كلامه، وقال بعضهم يدخل فى مجلس الزور اللعب واللهو والكذب والنوح والغناء بالباطل ـ روى ـ عن محمد بن المنكدر قال بلغنى ان الله تعالى يقول يوم القيامة اين الذين كانوا ينزهون انفسهم واسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان ادخلوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوا عبادى تحميدى وثنائى وتمجيدى واخبروهم ان لاخوف عليهم ولاهم يحزنون كذا فى كشف الاسرار، ومن سنن الصوم ان يصون الصائم لسانه عن الكذب والغيبة وفضول الكلام والسب النميمة والمزاح والمدح والغناء والشعر والمراد بالغناء التغنى بالباطل وهو الذى يحرك من القلب ماهو مراد الشيطان من الشهوة ومحبة المخلوقين واما يحرك الشوق الى الله فمن التغنى بالحق كما فى الاحياء، واختلف فى القراءة بالالحان فكرهها مالك والجمهور ولخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم ولذا قال فى قاضى خان لا ينبغى ان يقدم فى التراويح "الخوشخوان" بل يقدم "الدرستخوان" فان الامام اذا كان حسن الصوت يشغل عن الخشوع والتدبر والتفكر انتهى، واباحها ابو حنيفة وجماعة من السلف للاحاديث لأن ذلك سبب للرقة واثارة الخشية كما فى فتح القريب، قال فى اصول الحديث اذا جلس الشيخ من اهل الحديث مجلس التحديث يفتتح بعد قراءة قارىء حسن الصوت شيئا من القرآن انتهى وانما استحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها مالم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فان افرط زاد حرفا او اخفى حرفا فهو حرام كما فى ابكار الافكار: قال الشيخ سعدى

به ازروى زيباست اواز خوش كه اين حظ نفسست وآن قوت روح

ورأى عليه السلام ليلة المعراج ملكا لم ير قبله مثله وكان اذا سبح اهتز العرش لحسن صوته كان بين يديه صندوقان عظيمان من نور فيهما براءة الصائمين من عذاب النار وتفصيله فى مجالس النفائس لحضرة الهدائى قدس سره، وقال سهل قدس سره المراد بالزور مجالس المبتدعين، وقال ابو عثمان قدس سره مجالس المدعين وكذا كل مشهد ليس لك فيه زيادة فى دينك بل تنزل وفساد { واذا مروا } علىطريق الاتفاق { باللغو } اى ما يجب ان يلغى ويطرح مما لاخير فيه: وبالفارسية [بجيزى نايسنديده] وقال فى فتح الرحمن يشمل المعاصى كلها وكل سقط من فعل او قول، وقال الراغب اللغو من الكلام مالا يعتد به هو يعد ذلاقه روية وفكر فيجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور { مروا } حال كونهم { كراما } جمع كريم يقال تكرم فلان عما يشينه اذا تنزه واكرم نفسه عنه، قال الراغب الكرم اذا وصف الله به فهو اسم لاحسانه وانعامه المتظاهر واذا وصف به الانسان فهو اسم للاخلاق والافعال المحمودة التى تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه. والمعنى معرضين عنه مكرمين انفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ومن ذلك الاغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية عما يستهجن الصريح به، قال فى كشف الاسرار قيل اذا ارادوا ذكر النكاح وذكر الفروج كنوا عنه فالكرم ههنا هو الكناية والتعريض وقوله عز وجل { كانا يأكلان الطعام } كناية عن البول والخلاء وقد كنى الله عز وجل فى القرآن عن الجماع بلفظ الغشيان والنكاح والسر والاتيان والافضاء واللمس والمس والدخول والمباشرة والمقاربة فى قوله { ولا تقربوهن } والطمث فى قوله { لم يطمثهن } وهذا باب واسع فى العربية، قال الامام الغزالى اما حد الفحش وحقيقته فهو التعبير عن الامور المستقبحة بالعبارات الصريحة واكثر ذلك يجرى فى الفاظ الوقاع وما يتعلق به واهل الصلاح يتحاشون من التعرض لها بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز وبذكر ما يقاربها ويتعلق بها مثلا يكنون عن الجماع بالمس والدخول والصحبة وعن التبول بقضاء الحاجة وايضا لا يقولون قالت زوجتك كذا بل يقال قيل فى الحجرة او قيل من وراء السترة او قالت ام الاولاد كذا وايضا يقال لمن به عيب يستحيى منه كالبرحة والقرع والبواسير العارض الذى يشكوه وما يجرى مجراه وبالجلمة كل ما يخفى ويستحى منه فلا ينبغى ان يذكر الفاظه الصريحة فانه فحش والفاحش يحشر يوم القيامة فى صورة الكلب، قال الشيخ سعدى [ريشى اندرون جامه داشّم حضرت شيخ قدس سره هر روز برسيدى كه ريشت جونست ونبرسيدى كه كجاست دانستم كه ازان احتراز ميكند كه ذكر هو عضوى روانباشد وخرد مندان كفته اند هركه سخن نسنجد ازجوابش برنجد]

تانيك ندانى كه سخن عين صوابست بايدكه بكفتن دهن ازهم نكشايى
كرراست سخن كويى ودربند بمانى به زانكه دروغت دهد ازبند رهايى

والمراد ان الصدق اولى وان لزم الضرر على نفس القائل واما جواز الكذب فانما هو لتخليص الغير ودفع الفتنة بين الناس وهو المراد من قوله [دروغ مصلحت آميزبه ازراست فتنة انكيز] نسأل الله تعالى ان يجعلنا من الصادقين المخلصين بل من الصديقين المخلصين ويحشرنا مع الكرماء الحلماء والعلماء الادباء انه الموفق للاقوال الحسنة والافعال المستحسنة.