التفاسير

< >
عرض

لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢١
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
٢٢
-النمل

روح البيان في تفسير القرآن

{ لاعذبنه عذابا شديدا } العذاب الايجاع الشديد وعذبه تعذيبا اكثر حبسه فى العذاب اى لاعذبنه تعذيبا شديدا كنتف ريشه والقائه فى الشمس او حيث النمل تأكله او جعله مع ضده فى قفص وقد قيل اضيق الشجون معاشرة الاضداد او بالتفريق بينه وبين الفه بالفارسية [جفت]. وقيل لازوجنه بعجوز كما فى انسان العيون او لالزمنه خدمة اقران [ياازخدمت خودش برآنم] كما قال فى التأويلات لاعذبنه بالطرد عن الحضرة والاسقاط عن عينى الرضى والقبول. وفى الاسئلة المقحمة مامعنى هذا الوعيد لمن لم يكن مكلفا بشىء والجواب هذا الوعيد بعذاب تأديب وغير المكلف يؤدب كالدابة والصبى وكان يلزمه طاعته فاستحق التأديب على تركها.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الطير فى زمانه كانت فى جملة التكليف ولها وللمسخرين لسليمان من الحيوان والجن والشياطين تكاليف تناسب احوالهم ولهم فهم وادراك واحوال كاحوال الانسان فى قبول الاوامر والنواهى معجزة لسليمان عليه السلام { او لاذبحنه } لتعتبر به ابناء جنسه او حتى لايكون له النسل. وفى التأويلات او لاذبحنه فى شدة العذاب واصل الذبح شق حلق الانسان { او ليأتينى } اصله ليأتيننى بثلاث نونات حذفت النون التى قبل ياء المتكلم { بسلطان مبين } بحجة تبين عذره: وبالفارسية [بابياديد بمن بحجتى روشن كه سبب غيبت او كردد] يشير الى ان حفظ المملكة يكون بكمال السياسة وكمال العدل فلا يتجاوز عن جرم المجرمين ويقبل منهم العذر الواضح بعد البحث عنه والحلف فى الحقيقة على احد الاولين على عدم الثالث فكلمة او بين الاولين للتخيير وفى الثالث للترديد بينه وبينهما ـ حكى ـ انه لما اتم بناء بيت المقدس خرج للحج واقام بالحرم ماشاء وكان يتقرب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين الف شاة ثم عزم على المسير الى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صعناء اليمن وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى ارضا حسناء اعجبته خضرتها فنزل يصل فلم يجد الماء وكان الهدهد دليل الماء حيث يراه تحت الارض كما يرى الماء فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فيدل على موضعه بان ينقره بمنقاره فجيىء الشياطين فيسلخون الارض كما يسلخ الاهاب عن المذبوح ويستخرجون الماء فتفقده لذلك واما انه يوضع الفخ ويغطى بالتراب فلا يراه حتى يقع فيه فلان القدر اذا جاء يحول دون البصر وقد كان حين نزل سليمان ارتفع الهدهد الى الهواء لينظر الى عرصة الدنيا فرأى هدهدا آخر اسمه عنفير واقفا فانحط اليه اى فى الهواء فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شىء ووصف له صاحبه ملك بقليس وان تحت يدها اثنى عشر الف قائد تحت يد كل قائد مائة الف فذهب معه لينظر فما رجع الا بعد العصر وذلك قوله تعالى { فمكث } المكث ثبات مع انتظار { غير بعيد } اى زمانا غير مديد يشير الى ان الغيبة وان كانت موجبة للعذاب الشديد وهو الحرمان من سعادة الحضور ومنافعه ولكنه من امارات السعادة سرعة الرجوع وتدارك الفائت وذكر انه اصابه من موضع الهدهد شمس فنظر فاذا موضعه خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد علمه عنده ثم قال لسيد الطير وهو العقاب علىّ به فارتفعت فنظرت فاذا هو مقبل فقصدته فناشدها الله تعالى وقال بحق الذى قواك واقدرك الا رحمتنى فتركته وقالت ثكلتك امك ان نبى الله حلف ليعذبنك قال او ما استثنى قالت بلى قال أو ليأتننى بعذر مبين فلما قرب من سليمان ارخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الارض تواضعا له فلما دنا منه اخذ عليه السلام برأسه فمده اليه فقال يانبى الله اذكر وقوفك بين يدى الله فارتعد سليمان [وكفته اند كه باهدهد كفت جه كويى كه بروبالت بكنم وترا بآ فتاب كرم افكنم هدهد كفت دانم كه نكنى كه اين كار صياد انست نه كار بيغمبر آن سليمان كفت كلوت ببرم كفت دانم كه نكنى كه اين كار قصا بانست نه كار بيغمبران كفت ترا باناجنس در قفص كنم كفت اين هم نكنى كه اين كان ناجوانمر دانست وبيغمران ناجوانمرد نباشد سليمان كفت اكنون توبكوى كه باتوجه كنم كفت عفو كنى ودركذا ركه غفو كار بيغمبران وكريمانست] فعفا عنه ثم سأله { فقال احطت } الاحاطة العلم بالشىء من جميع جهاته { بمالم تحط به } اى علما ومعرفة وحفظته من جميع جهاته وذلك لانه كان مما لم يشاهده سليمان ولم يسمع خبره من الجن والانس يشير الى سعة كرم الله ورحمته بان يختص طائرا بعلم لم يعلمه نبى مرسل هذا لايقدح فى حال النبى والرسول بان لايعلم علما غير نافع فى النبوة فان النبى عليه السلام كان يستعيذ بالله منه فيقول
"اعوذبك من علم لاينفع" والحاصل ان الذى احاط به الهدهد كان من الامور المحسوسة التى لاتعد الا حاطة بها فضيلة ولا الغفلة عنها نقيصة لعدم توقف ادراكها الا على مجرد احساس يستوى فيه العقلاء وغيرهم. وفى الاسئلة المقحمة هذا سوء ادب فى المخاطبة فكيف واجهه بمثله وقد احتلمه والجواب لانه عقبه بفائدة والخشونة المصاحبة لفائدة قد يحتملها الا كابر انتهى. ثم اشار الى انه بصدد اقامة خدمة مهمة له كما قال { وجئتك من سبأ } [وآمدم بتو از شهر سباكه مآرب كويند] { بنبأ يقين } بخبر خطير محقق لاشك فيه يشير الى ان من شرط المخبر ان لايخبر عن شىء الا ان يكون متيقنا فيه سيما عند الملوك. وسبأ منصرف على انه اسم لحى باليمن سموا باسم ابيهم الا كبر وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قالوا اسمه عبد الشمس لقب به لكونه اول من سبى ثم سمى مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة ايام وقيل ان سبأ اول من تتوج من ملوك اليمن وكان له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم منهم اربعة: يعنى [جهار ازايشان درشام مسكن داشتند لخم وجذام وعامله وغسان وشش دريمن كنده واشعر وازد ومذحج وانمار] "قالوا يارسول الله وما انمار قال والد خثعم وبجيلة" ، وقال فى المفردات سبأ اسم مكان تفرق اهله ولهذا يقال ذهبوا ايادى سبأ اى تفرقوا تفرق اهل ذلك المكان من كل جانب انتهى. قال بعضهم انما خفى نبأ بلقيس على سليمان مع قربه منها لانه كان نازلا بصنعاء وهى بمأرب وبينهما مسيرة ثلاثة ايام كما سبق آنفا او ثلاثة فراسخ او ثلاثة اميال لمصلحة رآها الله تعالى كما خفى على يعقوب مكان يوسف

كهى بر طارم اعلى نشينم كهى بربشت باى خود نبينم