التفاسير

< >
عرض

وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ
٩٢
-النمل

روح البيان في تفسير القرآن

{ وان اتلو القرءان } التلاوة قراءة القرآن متتابعة كالدارسة والاوراد الموظفة والقراءة اعم يقال تلاه تبعه متابعة ليس بينهما ماليس منهما اى وامرت بان اواظب على تلاوته لتكشف لى حقائقه فى تلاوته شيئا فشيئا فانه كلما تفكر التالى العالم تجلت له معان جديدة كانت فى حجب مخفية ولذا لا يشبع العلماء الحكماء من تلاوة القرآن وهو السر فى انه كان آخر ورده لان المنكشف اولا للعارفين حقائق الآفاق ثم حقائق الانفس ثم حقائق القرآن فعليك بتلاوة القرآن كل يوم ولا تهجره كما يفعل ذلك طلبة العلم وبعض المتصوفة زاعمين بانهم قد اشتغلوا بما هو اهم من ذلك وهو كذب فان القرآن مادة كل علم فى الدنيا ويستحب لقارىء القرآن فى المصحف ان يجهر بقراءته ويضع يده على الآية يتبعها فيأخذ اللسان حظه من الرفع ويأخذ البصر حظه من النظر واليد حظها من المس وسماع القرآن اشرف ارزاق الملائكة السياحين واعلاها ومن لم تتيسر له تلاوة القرآن فليجلس لبث العلم لاجل الاوراح الذين غذاؤهم العلم لكن لا يتعدى علوم القرآن والطهارة الباطنة للاذنين تكون باستماع القول الحسن فانه ثم حسن واحسن فاعلاه حسنا ذكر الله بالقرآن فيجمع بين الحسنين فليس اعلا من سماع ذكر الله بالقرآن مثل كل آية لايكون مدلوله الاذكر الله فانه ما كل آية تتضمن ذكر الله فان فيه حكاية الاحكام المشروعة وفيه قصص الفراعنة وحكايات اقوالهم وكفرهم وان كان فى ذلك الاجر العظيم من حيث هو قرآن بالاصغاء الى القارىء اذا قرأ من نفسه او غيره فعلم ان ذكر الله اذا سمع فى القرآن اتم من سماع قول الكافرين فى الله مالا ينبغى كذا فى الفتوحات. واعلم ان خلق النبى عليه السلام كان القرآن فانظر فى تلاوتك الى كل صفحة مدح الله بها عباده فافعلها او اعزم على فعلها وكل صفة ذم الله بها عباده على فعلها فاتركها او اعزم على تركها فان الله تعالى ماذكر لك ذلك انزله فى كتابه الا لتعمل به فاذا حفظت القرآن عن تضييع العمل به كما حفظته تلاوة فانت الرجل الكامل { فمن اهتدى } باتباعه اياى فيما ذكر من العبادة والاسلام وتلاوة القرآن { فانما يهتدى لنفسه } فان منافع اهتدائه عائدة اليه لا الى غيره { ومن ضل } بمخالفتى فيما ذكر { فقل } فى حقه { انما انا من المنذرين } فقد خرجت من عهدة الانذار والتخويف من عذاب الله وسخطه فليس علىّ من وباله شىء وانما هو عليه فقط ويجوز ان يكون معنى وان اتلو القرآن وان اواضب على تلاوته للناس بطريق تكرير الدعوة فمعنى قوله فمن اهتدى حنيئذ فمن اهتدى بالايمان والعمل بما فيه من الشرائع والاحكام ومن ضل بالكفر به والاعراض عن العمل بما فيه. وهذه الآية منسوخة بآية السيف
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان نور القرآن يربى جوهر الهداية والضلالة فى معدن قلب الانسان السعيد والشقى كما يربى ضوء الشمس الذهب والحديد فى المعادن يدل عليه قوله تعالى
{ يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا } وقال عليه السلام "الناس كمعادن الذهب والفضة"