التفاسير

< >
عرض

أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
٢
-العنكبوت

روح البيان في تفسير القرآن

{ أحسب الناس } الحسبان بالكسر الظن كما فى القاموس. وقال فى المفردات الحسبان هو ان يحكم لاحدج النقيضين احدهما على الآخر. نزلت فى قوم من المؤمنين كانوا بمكة وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الاسلام فكانت صدورهم تضيق لذلك ويجزعون فتداركهم الله بالتسلية بهذه الآية. قال ابن عطية وهذه الآية وان كانت نزلت بهذا السبب فى هذه الجماعة فهى فى معناها باقية فى امة محمد موجود حكمها بقية الدهر والمعنى بالفارسية [آيا بنداشتند مردمان يعنى اين ظن منكر ومستبعد ست] { ان يتركوا } اى يهملوا سادّ مسدّ مفعولى حسب لاشتماله على مسند ومسند اليه { ان } اى لان { يقولوا آمنا وهم } اى والحال انهم { لايفتنون } لايمتحنون فى دعواهم بما يظهرها ويثبتها اى أظنوا انفسهم متروكين بلا فتنة وامتحان بمجرد ان يقولوا آمنا بالله يعنى ان الله يمتحنكم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وانواع المصائب فى الانفس والاموال ليتميز المخلص من المنافق والراسخ فى الدين من المضطرب فيه ولينالوا بالصبر عليها عوالى الدرجات فان مجرد الايمان وان كان عن خلوص لايقتضى غير الخلاص من الخلود فى العذاب

عاشقانرا درد دل بسيار مى بايد كشيد جوريار وطعنه اغيار مى بايد كشيد

وفى التأويلات النجمية { احسب الناس } يعنى الناسين من اهل الغفلة والبطالة { ان يتركوا ان يقولوا آمنا } بالتقليد والجهالة بمجرد الدعوى دون المطالبة بالبلوى { وهم لايفتنون } بانواع البلاء لتخليص ابريز الولاء فان البلاء للولاء كاللهب للذهب وان المحبة والمحنة توأمان فلا مميز بينهما الا نقطة الباء وبه يشير الى ان اهل المحبة اذا اوقعوا انفسهم كنقطة الباء تحتها تواضعا لله رفعهم الله كالنقطة فوق النون ومن تكبر وطلب الرفعة والعلو فى الدنيا كالنقطة فوق النون وضعه الله بالذلة كالنقطة تحت الباء. وقيل عند الامتحان يكرم الرجل او يهان فمن زاد قدر معناه زاد قدر بلواه كما قال عليه السلام "يبتلى الرجل على حسب دينه" وقال "البلاء موكل بالانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل" فالعافية لمن لايعرف قدرها كالداء والبلاء لمن يعرف قدره كالدواء فالبلاء على النفوس لاخراجها من اوطان الكسل وتصريفها فى احسن العمل والبلاء على القلوب لتصفيتها من شين الرين لقبول نقوش الغيوب والبلاء على الارواح لتجردها بالبوائق عن العلائق والبلاء على اسرار فى اعتكافها فى شاهد الكشف بالصبر على آثار التجلى الى ان يصير مستهلكا فيه باقيا به وان اشد الفتن حفظ وجود التوحيد لئلا يجرى عليه مكر فى اوقات غلبات شواهد الحق فيظن انه هو الحق ولايدرى انه من الحق ولا يقال انه الحق وعزيز من يهتدى الى ذلك انتهى. قال ابن عطاء ظن الخلق انهم يتركون مع دعاوى المحبة ولا يطالبون بحقائقها وحقائق المحبة هى صب البلاء على المحب وتلذذه بالبلاء فبلاء يلحق جسده وبلاء يلحق قلبه وبلاء يلحق سره وبلاء يلحق روحه وبلاء النفس فى الظاهر الامراض والمحن وفى الحقيقة منعها عن القيام بخدمة القوى العزيز بعد مخاطبته اياها بقوله { وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون } وبلاء القلب تراكم الشوق ومراعاة مايرد عليه فى الوقت بعد الوقت من ربه والمحافظة على اقواله مع الحرمة والهيبة وبلاء السر هو المقام مع من لامقام للخلق معه والرجوع الى من لاوصول للخلق اليه وبلاء الروح الحصول فى القبضة والابتلاء بالمشاهدة وهذا مالا طاقة لاحد فيه: وفى البستان فى حق العشاق

دمادم شراب الم در كشند وكر تلخ بينند دم در كشند
بلاى خماراست در عيش مل سلحدار خارست باشاه كل
نه تلخست صبرى كه برياداوست كه تلخى شكر باشد ازدست دوست
اسيرش نخواهد رهابى زبند شكارش نجويد خلاص ازكمند