التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولله ما فى السموات وما فى الارض } من الموجودات خلقا وملكا لا مدخل فيه لاحد اصلا فله الامر كله { يغفر لمن يشاء } ان يغفر له مشيئة مبنية على الحكم والمصالح { ويعذب من يشاء } ان يعذبه وقدم المغفرة لسبق رحمته تعالى غضبه وهذا صريح فى نفى وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافى له { والله غفور رحيم } لعباده والمقصود بيان انه وان حسن كل ذلك منه الا ان جانب الرحمة والمغفرة غالب لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الفضل والاحسان.
فليبادر العاقل الى الاعمال التى يستوجب بها رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون.
اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام [يا داود بشر المذنبين وانذر الصديقين] قال يارب فكيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين قال [بشر المذنبين بانى لا يتعاظمنى ذنب الا اغفره وانذر الصديقين ان لا يعجبوا باعمالهم وانى لا اضع عدلى وحسابى على احد الا اهلكه] وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه دخل على النبى عليه السلام فوجده يبكى فقال ما يبكيك يا رسول الله قال
"جاءنى جبريل فقال ان الله يستحيى ان يعذب احدا قد شاب فى الاسلام فكيف لا يستحيى من شاب فى الاسلام ان يعصى الله"
. فالواجب على الشيخ ان يعرف هذه الكرامة ويشكر الله ويستحيى منه ومن الكرام الكاتبين ويمتنع من المعاصى ويكون مقبلا على طاعة ربه فانه فى ساحل بحر المنون ـ روى ـ ان الحجاج لما اقام بالعراق يرهب ويفتك حتى استوثقت له الامور خرج عليه عبد الرحمن بن الاشعث باهل العراق فامده عبد الملك باهل الشام فكانوا شيعته واستمرت بينه وبين ابن الاشعث الوقائع حتى هزمه الحجاج بدير الجماجم بعد ثمانين وقعة فى ستة اشهر وكان مع ابن الاشعث اكثر من مائتى الف فلما هزموا قال الحجاج لاصحابه اتركوهم فليتبددوا ولا تتبعوهم ثم نادى مناديه من رجع فهو آمن ودخل الكوفة وجاء الناس من المنهزمين يبايعونه فكان يقول لمن جاء يبايعه اشهد على نفسك بالكفر وخروجك عن الجماعة ثم تب فان شهد والا قتله فاتاه رجل من خثعم فقال اشهد على نفسك بالكفر فقال ان كنت عبدت ربى ثمانين سنة ثم اشهد على نفسى بالكفر لبئس العبد انا والله ما بقى من عمرى الا ظمئ حمار واننى انتظر الموت صباحا ومساء فامر به فضرب عنقه وقدم بعده شيخ فقال الحجاج ما اظن الشيخ يشهد على نفسه بالكفر فقال يا حجاج اخادعى انت عن نفسى انا اعرف بها منك وانى لأكفر من فرعون وهامان فضحك الحجاج وخلى سبيله فانظر الى ضعف ايمانه كيف ارتكب هذا القبح بعد ما جاوز حد الشباب الذى ليس له بعده الا انتظار الموت صباحا ومساء من اقراره بالكفر مع غاية شيبه ومن لم تتداركه العناية الازلية لم يجىء منه شىء. فعلى السالك ان يطمئن قلبه بالايمان ويجتهد الى ان يصل الى قوة اليقين ومن قوة اليقين التوحيد وهو ان يرى الاشياء كلها من مسبب الاسباب ويرى الوسائط مسخرة لحكمه ولا ريب ان قوة اليقين بتصفية القلب عن كدورات النفس

جو باك آفريدت بهش باش باك كه ننكست نا باك رفتن بخاك
بيابى بيفشان از آيينه كرد كه صيقل نكيرد جو زنكار خورد

وجلاء القلب انما يحصل بذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على النبى عليه السلام وخير الاذكار كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى.
قال ابراهيم الخواص قدس سره دواء القلب خمسة. تلاوة القرآن بالتدبر. وخلاء البطن. وقيام الليل. والتضرع الى الله تعالى عند السحر. ومجالسة الصالحين. فعليك بالمواظبة لهذه الخصال لعلك تصل الى التزكية ودرجة الكمال بعون الله الملك العزيز المتعال.