التفاسير

< >
عرض

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ
١٤
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ زين للناس } اي حسن لهم والمزين هو الله لقوله تعالى { { زينا لهم أعمالهم } [النمل: 4].
وذلك على جهة الامتحان او هو الشيطان لقوله تعالى
{ وزين لهم الشيطان أعمالهم } [النمل: 24].
وذلك على جهة الوسوسة { حب الشهوات } اى محبة مرادات النفوس والشهوة نزوع النفس الى ما تريده وهى مصدر اريد به المفعول اى المشتهيات لان الاعيان التي ذكرها كلها مشتهيات وانما عبر عنها بالمصدر مبالغة فى كونها مشتهاة مرغوبا فيها كأنها نفس الشهوات وانما عبر عنها بالمصدر مبالغة فى كونها مشتهاة مرغوبا فيها كأنها نفس الشهوات والوجه ان يقصد تخسيسها فيسميها شهوات لان الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية. قالوا خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة والبهائم ذات شهوات لا عقل وجعلهما فى الانسان فمن غلب عقله شهوته فهو افضل من الملائكة ومن غلب عليه شهوته فهو ارذل من البهائم { من النساء } حال من الشهوات أى حال كونها من طائفة النساء وانما بدأ بهن لعرافتهن فى معنى الشهوات فانهن حبائل الشيطان { والبنين } والفتنة بهم ان الرجل يحرص بسببهم على جمع المال من الحلال والحرام ولأنهم يمنعونه عن محافظة حدود الله. قيل اولادنا فتنة ان عاشوا فتنونا وان ماتوا أحزنونا وعدم التعرض للبنات لعدم الاطراد فى حبهن { والقناطير المقنطرة } جمع قنطار وهو المال الكثير اى الاموال الكثيرة المجتمعة وهو مائة الف دينار او ملىء مسك ثور او سبعون الفا او اربعون الف مثقال او ثمانون الفا او مائة رطل او الف ومائتا مثقال او الف دينار او مائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم اودية النفس.
وفى الكشاف المقنطرة مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم الوف مؤلفة وبدر مبدرة { من الذهب والفضة } بيان للقناطير اى من هذين الجنسين وانما سمى الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى والفضة لانها تنفض اى تتفرق { والخيل } عطف على القناطير. والخيل جمع لا واحد له من لفظه واحده فرس وهو مشتق من الخيلاء لاختيالها فى مشيها او من التخيل فانها لم يتخيل فى عين صاحبها اعظم منها لتمكنها من قلبه { المسومة } اى المعلمة وهى التى جعلت فيها العلامة بالسيمة واللون او بالكى او المرعية من سامت السائمة اى رعت { والانعام } اى الابل والبقر والغنم جمع نعم { والحرث } اى الزرع. قيل كل منهما فتنة للناس. اما النساء والبنون ففتنة للجميع. والذهب والفضة للتجار. والخيل فتنة للملوك. والانعام فتنة لاهل البوادى. والحرث فتنة لاهل الرساتيق { ذلك } اى ما ذكر من الاشياء المعهودة { متاع الحيوة الدنيا } اى ما يمتنع به فى الحياة الدنيا اياما قلائل فيفنى سريعا { والله عنده حسن المآب } اى حسن المرجع وهو الجنة.
وفيه دلالة على انه ليس فيما عدد عاقبة حميدة وهذا تزهيد فى طيبات الدنيا الفانية وترغيب فيما عند الله من النعيم المقيم فعلى العاقل ان يأخذ من الدنيا قدر البلغة ولا يستكثر بالاستكثار الذى يورط صاحبه فى المحظور ويورثه المحذور.