التفاسير

< >
عرض

هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٦٣
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ هم } راجع الى الموصولين باعتبار المعنى { درجات عند الله } اى طبقات مختلفة متفاوتة فى علمه وحكمه تعالى شبهوا فى تفاوت الاحوال وتباينها بالدرجات مبالغة وايذانا بأن بينهم تفاوتا ذاتيا كالدرجات ومراتب الخلق فى اعمال المعاصى والطاعات متفاوتة فوجب ان تتفاوت مراتبهم فى درجات العقاب والثواب لقوله تعالى { { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } [الزلزلة: 7-8].
والمعنى ذو درجات { والله بصير بما يعملون } من الاعمال ودرجاتها فمجازيهم بحسبها.
واعلم ان الغلول من الكبائر والغال خائن ومن حاله ان يكون الغالب عليه النفس وهواها والانبياء منسلخون عن صفات البشرية متصفون بصفات الربوبية معصومون من الرذائل وصفات النفس ودواعى الشيطان قائمون بالله فلا يمكن صدور امثال ذلك منهم فالنبى فى جنة الصفات ومقام الرضوان والغال فى جحيم النفس وهاوية الهوى فلا يساوى حال الغال احوال الانبياء ولذلك قال { هم درجات عند الله }.
فعلى العاقل ان يسارع الى تكميل الدرجات والوصول الى احسن الحالات.
قالوا اهل الجنة اربعة اصناف. الرسل والانبياء. ثم الاولياء وهم اتباع الرسل على بصيرة وبينة من ربهم. ثم المؤمنون وهم المصدقون بهم عليهم السلام. ثم العلماء بتوحيد الله انه لا اله الا هو من حيث الادلة العقلية وهم المراد باولى العلم فى قوله تعالى
{ { شهد الله } [آل عمران: 18].
وفيهم يقول الله
{ { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } [المجادلة: 11].
وهؤلاء الطوائف الاربع يتميزون فى جنات عدن عند رؤية الحق فى الكثيب الابيض وهم فيه على اربعة مقامات. طائفة منهم اصحاب منابر وهى الطبقة العليا الرسل والانبياء. والطائفة الثانية هم الاولياء ورثة الانبياء قولا وعملا وحالا وهم اصحاب الاسرة والعرش. والطبقة الثالثة العلماء بالله من طريق النظر البرهانى العقلى وهم اصحاب الكرسى. والطبقة الرابعة هم المؤمنون المقلدون فى توحيدهم ولهم المراتب وهم فى المحشر مقدمون على اصحاب النظر العقلى وهم فى الكثيب يتقدمون على المقلدين

قيامت كه نيكان باعلى رسند زقعر ثرا بر ثريا رسند
تراخود بماندسر ازننك بيش كه كردت برآيد عملهاى خويش
قيامت كه بازار مينونهند منازل باعمال نيكونهد

والخلق متفاوتون فى الاعمال وتفاضلهم على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والاسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن اذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء اعظم من سائر الايام والازمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام افضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الاقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنها بالاحوال فان الصلاة بالجماعة افضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الاعمال فان الصلاة افضل من اماطة الاذى. ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت افضل من ان يهدى لغيره واحسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمان الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس كذلك

بضاعت بجندانكه آرى برى اكر مفلسى شر مسارى برى

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "ليس من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه يا ابن آدم انا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك غدا شهيد فاعمل فىّ خيرا اشهد لك به غدا فانى لو قد مضيت لم ترنى ابدا ويقول الليل مثل ذلك"
. فاعمل يا اخى عمل من يعلم انه راجع الى الله وقادم عليه يجازى على الصغير والكبير والقليل والكثير وقد قال تعالى { والله بصير بما يعملون } فينبغى ان لا يغفل الانسان فى كل ساعاته.