التفاسير

< >
عرض

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٧١
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ يستبشرون بنعمة } كائنة { من الله } كرر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة لا يقادر قدرها وهى ثواب اعمالهم { وفضل } اى زيادة عظيمة كما فى قوله تعالى { { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس: 26].
{ وان الله لا يضيع اجر المؤمنين } كافة سواء كانوا شهداء او غيرهم وهو بفتح ان عطف على فضل منتظم معه فى سلك المستبشر به.
قال الامام الآية تدل على ان استبشارهم بسعادة اخوانهم من استبشارهم بسعادة انفسهم لان الاستبشار الاول فى الذكر هو باحوال الاخوان وهذا تنبيه من الله على ان فرح الانسان بصلاح حال اخوانه ومتعلقه يجب ان يكون اتم واكمل من فرحه وصلاح احوال نفسه.
واعلم ان ظاهر الآية يدل على ان هؤلاء المقتولين وان فارقت ارواحهم من اجسادهم الا انهم احياء فى الحال. واختلف القائلون بحياتهم فى الحال انها للروح او للبدن ولا بد ههنا من تقديم مقدمة ليتضح بها المقام وهى ان الانسان المخصوص ليس عبارة عن مجموع هذه البنية المخصوصة بل هو شىء مغاير لها وذلك لان اجزاء هذه البنية فى الذوبان والانحلال والتبدل والتغير بالسمن وضده والصغر وخلافه والانسان المخصوص شىء واحد باق من اول عمره الى آخره والباقى مغاير للمتبدل فثبت ان الانسان مغاير لهذا البدن المخصوص ثم بعد هذا يحتمل ان يكون جسما مخصوصا ساريا فى هذه الجثة سريان النار فى الفحم والدهن فى السمسم وماء الورد فى الورد ويحتمل ان يكون جوهرا قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال فى الجسم وعلى كلا المذهبين لا يبعد ان ينفصل ذلك الشىء حيا عند موت البدن فيثاب ويعذب على حسب اعماله والدلائل العقلية والنقلية الدالة على بقاء النفوس بعد موت الاجساد كثيرة متعاضدة فوجب المصير اليه وبه تزول الشبهات الواردة على القول بثواب القبر كما فى هذه الآية وعلى القول بعذاب القبر كما فى قوله تعالى
{ { اغرقوا فادخلوا نارا } [نوح: 25].
اذا لم تمت النفوس بموت الابدان او قلنا بانه تعالى اماتها ثم اعاد الحياة اليها كما يدل عليه ما روى فى بعض الاخبار انه قال صلى الله عليه وسلم فى صفة الشهداء
"ان ارواحهم فى اجواف طير خضر وانها ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح فى الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مطعمهم ومسكنهم ومشربهم قالوا يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا كى يرغبوا فى الجهاد فقال الله تعالى انا مخبر عنكم ومبلغ اخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا"
. فانزل الله هذه الآية والذين اثبتوا هذه الحياة للاجساد اختلفوا. فقال بعضهم انه تعالى تصعد اجساء هؤلاء الشهداء الى السموات الى قناديل تحت العرش ويوصل انواع السعادات والكرامات اليها. ومنهم من قال يتركها فى الارض ويحييها ويوصل هذه السعادات اليها كذا فى تفسير الامام ولابن سينا رسالة فى علم النفس ولعمرى قد بلغ القصوى فى التحقيق فليطلبها من اراد.
وفضائل الشهداء لا نهاية لها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"الشهيد لا يجد ألم القتل الا كما يجد احدكم ألم القرصة وله سبع خصال يغفر له فى اول قطرة قطرت من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الاكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار لياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج بثلاث وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع فى سبعين من اقربائه"
. ـ ويروى ـ انه اذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى ادعوا الى خيرتى من خلقى فيقولون يا رب من هم فيقول الشهداء الذين بذلوا دماءهم واموالهم وانفسهم فيمرون على رب العزة وسيوفهم على اعناقهم فيدخلون مساكنهم فى الجنة وينصب يوم القيامة لواء الصدق لأبى بكر وكل صديق يكون تحت لوائه ولواء العدل لعمر وكل عادل يكون تحت لوائه ولواء السخاوة لعثمان وكل سخى يكون تحت لوائه ولواء الشهداء لعلى وكل شهيد يكون تحت لوائه وكل فقيه تحت لواء معاذ بن جبل وكل زاهد تحت لواء ابى ذر وكل فقير تحت لواء ابى الدرداء وكل مقرىء تحت لواء ابى بن كعب وكل مؤذن تحت لواء بلال وكل مقتول ظلما تحت لواء الحسين بن على رضى الله عنهما فذلك قوله تعالى { { يوم ندعو كل اناس بإمامهم } [الإسراء: 71].
قيل ارواح الشهداء وان كانت فى عليين الا انها تزور قبورها كل جمعة على الدوام ولذلك يستحب زيارة القبور ليلة الجمعة ويوم الجمعة قال عليه السلام
"ما من احد يمر بمقبر اخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه" .
قال الجنيد قدس سره من كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فانه ينتقل من حياة الطبع الى حياة الاصل وهى الحياة الحقيقة واذا كان القتيل بسيف الشريعة حيا مرزوقا فكيف من قتل بسيف الصدق والحقيقة

هركز نميرد آنكه دلش زنده شد بعشق ثبتست بر جريده عالم دوام ما

قال القاشانى المقتول فى سبيل الله صنفان. مقتول بالجهاد الاصغر وبذل النفس طلبا لرضى الله كما هو الظاهر. ومقتول بالجهاد الاكبر وكسر النفس وقتلها بسفرة الحب وقمع الهوى كما روى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انه قال عند رجوعه من بعض الغزو "رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر"
. وكلا الصنفين ليسوا باموات بل احياء عند ربهم بالحياة الحقيقة مجردين من دنس الطبائع مقربين فى حضرة القدس يرزقون فى الجنة الصورية كما يرزق الاحياء او من كليهما فان للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية ولكل منهما درجات على حسب المعارف والعلوم والمكاسب والاعمال. فالمعنوية جنة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها بحسب تفاضل المعارف والترقى فى الملكوت والجبروت والصورية جنة الافعال وتفاوت درجاتها بحسب تفاوت الاعمال والتدرج فى مراتب عالم الملك من السموات العلى والجنات المحتوية على جميع المنى وما روى من الحديث فى شهداء احد فالطير الخضر فيه اشارة الى الاجرام السماوية والقناديل هى الكواكب اى تعلقت بالنيرات من الاجرام السماوية لنزاهتها وانهار الجنة منابع العلوم ومشارعها ثمارها الاحوال والكشوف والمعارف او الانهار والثمار الصورية على حسب جنتهم المعنوية او الصورية فان كل ما وجد فى الدنيا من المطاعم والمشارب والمناكح والملابس وسائر الملاذ والمشتهيات موجود فى الآخرة فى عالم المثال وفى طبقات السماء الذ واصفى مما فى الدنيا يستبشرون بنعمة الامن من العقاب اللازم للنقص والتقصير والنجاة من الحزن على فوات نعمة الدنيا لحصول ما هو اشرف واصفى والذ وابقى من جنات الافعال وفضل هو زيادة جنات الصفات المشار اليها بالرضوان او نعمة جنة الصفات وفضل جنة الذوات وان اجر ايماهم من جنة الافعال لا يضيع مع ذلك انتهى كلامه فلا بد للسالك من بذل المال والبدن والروح حتى يحصل لهم انواع الفتوح

دلا طمع مبراز لطف بى نهايت دوست جولاف عشق زدى سربباز جابك وجست