التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٧٨
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا يحسبن الذين كفروا } الموصول مع صلته فاعل لا يحسبن { انما } بما فى حيزها سادة مسد مفعوليه لتمام المقصود بها وهو تعلق الفعل القلبى بالنسبة بين المبتدأ والخبر وما مصدرية او موصولة حذف عائدها وكان حقها فى قياس علم الخط ان تكتب مفصولة ولكنها وقعت فى مصحف عثمان رضى الله تعالى متصلة فلا يخالف وتتبع سنة الامام فى خط المصاحف { نملى لهم } الاملاء الامهال واطالة المدة والملى مقصورا الدهر والملوان الليل والنهار لتعاقبهما اى ان املاءنا لهم او ان ما نمليه لهم { خير لانفسهم } من منعهم عن اراداتهم ومعنى التفضيل باعتبار زعمهم { انما } كافة حقها الاتصال { نملى لهم ليزدادوا اثما } اللام لام الارادة عند اهل السنة القائلين بانه تعالى فاعل الخير والشر مريد لهما فان الاملاء الذى هو اطالة العمر لا شك انه من افعاله تعالى وانه ليس بخير لهم لانهم يتوسلون به الى ازدياد الاثم والطغيان فهو تعالى لما امهلهم واطال عمرهم بارادته واكتسبوا بذلك مآثم من الكفر والطغيان كان خالقا لتلك المآثم ايضا ولا تخلق الا بالارادة فهو مريد لها كما انه مريد لاسبابها المؤدية اليها وليست لام العلة لان افعاله تعالى ليست معللة بالاغراض وعند المعتزلة لام العاقبة { ولهم عذاب مهين } اى يهانون به فى الآخرة قال عليه السلام "خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله"
.ودلت الآية على ان اطالة عمر الكافر والفاسق وايصاله الى مراداته فى الدنيا ليس بخير بل هى نعمة فى الصورة ونقمة فى الحقيقة ألا يرى ان من اطعم انسانا خبيصا مسموما لا يعد ذلك نعمة عند الحقيقة لافضائه الى الهلاك والعقوبة فينبغى للعبد ان لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثرة امواله ولا اولاده

غره مشو بآن كه جهانت عزيز كرد اى بس عزيز راكه جهان كردزودخوار
مارست اين جهان وجها نجوى ماركير وزماركير مار برآرد كهى دمار

قال الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج "ان من نعمى على امتك انى قصرت اعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم واقللت اموالهم كيلا يشتد فى القيامة حسابهم واخرت زمانهم كيلا يطول فى القبور حبسهم"
. وقال ايضا "يا احمد لا تتزين بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فان النفس مأوى كل شر وهى رفيق سوء كلما تجرها الى طاعة تجرك الى معصية وتخالفك فى الطاعة وتطيع لك فى المعصية وتطغى اذا شبعت وتتكبر اذا استغنت وتنسى اذا ذكرت وتغفل اذا امنت وهى قرينة للشيطان"
. وقيل مثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير واذا حملت عليها لا تطير واذا قيل انت طائر قالت انا بعير وهذه رجلى واذا حملت عليها شيأ قالت انا طائر وهذا جناحى فكثرة المال وكمال الاستغناء تغر النفس قال تعالى { { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [العلق: 6-7].

مبر طاعت نفس شهوت برست كه هر ساعتش قبله ديكرست

قال السعدى قدس سره

شنيده ام كه بقصاب كوسفندى كفت دران زمانكه بخنجر سرش زتن ببريد
جزاى هر بن خارى كه خورده ام ديدم كسى كه بهلوى جربم خوردجه خواهدديد

"وعن عائشة رضى الله عنها انها قالت قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر من السغب فقال يا عائشة والذى نفسى بيده لو سألت ربى ان يجرى معى جبال الدنيا ذهبا لاجراها حيث شئت من الارض ولكنى اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها. يا عائشة ان الدنيا لا تنبغى لمحمد ولا لآل محمد"
.قال عليه السلام" "الدنيا والآخرة ضرتان فمن يطلب الجمع بينهما فهو ممكور ومن يدعى الجمع بينهما فهو مغرور"
. فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ الى الدرجات العلى فهو غريق فى الغفلة فالله تعالى يمهله فى طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوز فى طلبها حد الاحتياج اليها ويفتح ابواب المقاصد الدنيوية عليه ليستغنى بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانه

بناز ونعمت دنيا منه دل كه دل بر داشتن كاريست مشكل

فيا ايها الاخوان الذين مضوا قبلنا من الامم قد عاشوا طويلا وجمعوا كثيرا فتذكروا موتهم ومصارعهم تحت التراب وتأملوا كيف تبددت اجزاؤهم وكيف ارملوا نساءهم وايتموا اولادهم وضيعوا اموالهم وهلكت بعدهم صغارهم وكبارهم وانقطت آثارهم وديارهم فلم يرجع من كفر بنعمة الله الا الى العذاب والخسران ولم يصر الا الى دركات النيران فمن كانت غفلته كغفلتهم فسيصير الى ما صاروا اليه وان عاش طويلا فان الله يمهل ولا يهمل قال تعالى { { نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ } [لقمان: 24].
وما الحياة والتمتع بها الا قليل. فالدنيا ساعة فاجعلها طاعة لعلك تلحق بالجماعة من اهل الوصول وارباب القبول.
وجميع الطاعات من اسباب الفلاح خصوصا الصلاة افضل العبادات واعلاها واشرف الطاعات واسناها. والصوم سبب الولوج فى ملكوت السموات وواسطة الخروج من رحم مضايق الجسمانيات المعبر عنه بالنشأة الثانية كما اشير اليه بقول عيسى عليه السلام [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] بل مجاهدة الصوم رابطة مشاهدة اللقاء واليه يشير الحديث القدسى وهو قوله جل شانه
"الصوم لى وانا اجزى به"
. يعنى انا جزاؤه ولهذا علق سبحانه نيل سعادة الرؤية بالجوع حيث قال فى مخاطبة عيسى عليه السلام [تجوع ترانى]

همى آيد ازحق ندا متصل تجوع ترانى تجرد تصل

رزقنا الله واياكم.