التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٨٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولله } اى خاصة { ملك السموات والارض } اى السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيف يشاء ويريد ايجادا واعداما احياء واماتة تعذيبا واثابة من غير ان يكون لغيره شائبة دخل فى شىء من ذلك بوجه من الوجوه وهو يملك امرهم ويعذبهم بما فعلوا لا يخرجون عن قبضة قدرته ولا ينجون من عذابه يأخذهم متى شاء { والله على كل شىء قدير } فيقدر على عقابهم وكيف يرجو النجاة من كان معذبه هذا المالك القادر ـ روى ـ انه عليه السلام سأل اليهود عن شىء مما فى بالتوراة فاخبروه بخلاف ما كان فيه واروه انهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا فنزلت وقيل هم المنافقون كافة وهو الانسب بظاهر قوله تعالى { { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } [آل عمران: 188].
فانهم كانوا يفرحون بما فعلوه من اظهار الايمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون الى المسلمين بالايمان وهم عن فعله بالف منزل وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم فى الغاية القاصية من العداوة والاولى اجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتى بشىء من الحسنات فيفرح به فرح اعجاب ويود ان يمدحه الناس بما هو عار من الفضائل من يأتى بشىء من الحسنات فيفرح به فرع اعجاب ويود ان يمدحه بما هو عار من الفضائل وانواع البر وكون السبب خاصا لا يقدح فى عمومية حكم الآية.
واعلم ان الفرح بمتاع الدنيا وحب مدح الناس من صفات ارباب النفس الامارة المغرورين بالحياة الدنيا وتمويهات الشيطان المحجوبين عن السعادات الاخروية والقربات المعنوية.
قال الامام فى تفسيره وانت اذا انصفت عرفت ان احوال اكثر الخلق كذلك فانهم يأتون بجميع وجوه الحيل فى تحصيل الدنيا ويفرحون بوجدان مطلوبهم ثم يحبون ان يحمدوا بانهم من اهل العفاف والصدق والدين

اى برادر ازتو بهتر هيج كس نشناسدت زانجه هستى يك سرمو خويش را افزون منه
كرفزون از قد رتو بشناسدت تابخردى قدر خود بشناس وباى ازحد خود بيرون منه

فعلى العاقل ان لا يتعدى طوره ولا يفرح بما ليس فيه فانه لا يغنى عنه شيأ.
قال بعض المشايخ الناس يمدحونك لما يظنون فيك من الخير والصلاح اعتبارا بما يظهر من ستر الله عليك فكن انت ذاما لنفسك لما تعلمه منها من القبائح والمؤمن اذا مدح استحيى من الله ان يثنى عليه بوصف لا يشهده من نفسه واجهل الناس من يترك اليقين ما عنده من صفات نفسه التى لا شك فيها لظن ما عند الناس من صلاحية حاله.
قال الحارث بن المحاسبىرحمه الله الراضى بالمدح بالباطل كمن يهزأ به ويقال ان العذرة التى تخرج من جوفك لها رائحة كرائحة المسك ويفرح بذلك ويرضى بالسخرية

بحبل ستايش فراجه مشو جو حاتم اصم باش وعيبت شنو

يعنى لا تغتر بالمدح حتى لا تقع فى بئر الهلاك وكن كالشيخ حاتم الاصم صورة فان الخلق اذا ظنوك يتكلمون فى حقك ما لا ترضى به من القول لو سمعت فأذن تسمع عيوبك منهم وفى ذلك فائدة عظيمة لك لان المرء اذا عرف عيبه يجتهد فى قمعه والتحلى بالاوصاف الجميلة والعارف هو الذى يستوى قلبه فى المدح والذم لا ينقبض من الذم ولا ينبسط من المدح وكيف ينبسط بما يتحقق به مما يقوله الخلق من هو اعرف بحال نفسه وان انبسط فهو المغرور والمدعى هو الذى يرى نفسه صادقا فى الاحوال والمعاملات وكل الحالات كأنه لا يتعرض لشىء من الدنيا اصلا وحاله شاهدة عليه فى هذا الباب فان المرء له محك فى اقواله وافعاله واحواله قال عليه السلام "انما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشى فى الماء"
. هل يستطيع الذى يمشى فى الماء ان لا تبل قدماه فمن هذا يعرف جهالة الذين يزعمون انهم يخوضون فى نعيم الدنيا بابدانهم وقلوبهم عنها مطهرة وعلائقها عن بواطنهم منقطعة وذلك مكيدة الشيطان بل هم لو اخرجوا مما هم فيه لكانوا اعظم المتفجعين بفراقها فكما ان المشى فى الماء يقتضى بللا لا محالة يلتصق بالقدم فكذلك ملابسة الدنيا تقتضى علاقة وظلمة فى القلب بل علاقة القلب مع الدنيا تمنع حلاوة العبادة.
قال الشيخ ابو عبد الله القرشىرحمه الله شكا بعض الناس لرجل من الصالحين انه لا يعمل البر ولا يجد حلاوته فى القلب فقال لان عندك ابنة ابليس فى قلبك وهى الدنيا ولا بد للاب ان يزور ابنته فى بيتها وهو قلبك ولا يؤثر دخوله الا فسادا قال الله تعالى [يا داود ان كنت تحبنى فاخرج حب الدنيا من قلبك فان حبى وحبها لا يجتمعان فى قلب ابدا].
وروى ان عيسى عليه السلام قال لاصحابه لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم قالوا ومن الموتى قال الراغبون فى الدنيا المحبون لها

برمرد هشيار دنيا خسست كه هرمدتى جاى ديكر كسست
منه برجهان دل كه بيكانه ايست جو مطرب كه هروزدر خانه ايست
نه لايق بود عشق بادلبرى كه هر بامدادش بود شو هرى

عصمنا الله واياكم.