التفاسير

< >
عرض

شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١٨
إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ شهد الله انه } بانه { لا اله الا هو } نزلت حين " جاء رجلان من احبار الشام فقالا للنبى عليه السلام انت محمد قال نعم فقالا انت احمد قال انا محمد واحمد قالا اخبرنا عن اعظم الشهادة فى كتاب الله فاخبرهما" اى اثبت الله بالحجة القطيعة واعلم بمصنوعاته الدالة على توحيده انه واحد لا شريك له فى خلقه الاشياء اذ لا يقدر احد ان ينشىء شيأ منها.
قال ابن عباس خلق الله تعالى الارواح قبل الاجساد باربعة آلاف سنة وخلق الارزاق قبل الارواح باربعة آلاف سنة فشهد لنفسه قبل خلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا ارض ولا بر ولا بحر فقال { شهد الله } الآية { والملائكة } عطف على الاسم الجليل بحمل الشهادة على معنى مجازى شامل للاقرار والايمان بطريق عموم المجاز اى اقرت الملائكة بذلك. لما عاينت من عظم قدرته { وأولوا العلم } اى آمنوا به واحتجوا عليه بالادلة التكوينية والتشريعية وهم الانبياء والمؤمنون الذين علموا توحيده وأقروا به اعتقاداً صحيحاً فشبه دلالته على وحدانيته بافعاله الخاصة التى لا يقدر عليها غيره تعالى وإقرار الملائكة واولى العلم بذلك بشهادة الشاهد فى البيان والكف { قائما بالقسط } نصب على الحال المؤكدة من هو دون من ذكر معه لأ من اللبس اذ القيام بالقسط من الصفات الخاصة به تعالى ومثله جاء زيد وهند راكبا جاز لا جل التذكير ولو قلت جاء زيد وعمرو راكبا للبس اى مقيما بالعدل فى قسمة الارزاق والآجال والاثابة والمعاقبة وما يأمر به عباده وينهاهم عنه من العدل والتسوية فيما بينهم ودفع الظلم عنهم { لا اله الا هو العزيز الحكيم } كرر المشهود له لتأكيد التوحيد ليوحدوه ولا يشركوا به شيأ لانه ينتقم ممن لا يوحده بما لا يقدر على مثله منتقم ويحكم ما يريد على جميع خلقه لا معقب لحكمه لغلبته عليهم { ان الدين عند الله الاسلام } جملة مستانفة مؤكدة للاولى اى لا الدين مرضيا لله تعالى سوى الاسلام الذى هو التوحيد والتشرع بالشريعة الشريفة وهو الدين الحق منذ بعث الله آدم عليه السلام وما سواه من الاديان فكلها باطلة.
قال شيخنا العلامة فى بعض تحريراته المقصود من انزال الكلام مطلق الدعوة الى الدين الحق والدين من زمن آدم الى نبينا عليهما الصلاة والسلام الاسلام كما قال تعالى { ان الدين عند الله الاسلام } وحقيقة دين الاسلام التوحيد وصورته الشرائع التى هى الشروط وهذا الدين من ذلك الزمان الى يوم القيامة واحد بحسب الحقيقة وسواء بين الكل ومختلف بحسب الصورة والشروط وهذا الاختلاف الصورى لا ينافى الاتحاد الاصلى والوحدة الحقيقة انتهى.
وعن قتادة ان الاسلام شهادة ان لا اله الا الله والاقرار بما جاء من عند الله.
وعن غالب القطان قال اتيت الكوفة فى تجارة فنزلت قريبا من الاعمش فكنت اختلف اليه فلما كنت ذات ليلة اردت ان احدر الى البصرة قام من الليل متهجدا فمر بهذه الآية { شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم } قال الاعمش وانا اشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهى لى عند الله وديعة ان الدين عند الله الاسلام قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيأ فصليت معه وودعته ثم قلت آية سمعتك ترددها فما بلغك فيها قال والله لا احدثك بها الى سنة فلبثت على بابه من ذلك اليوم فاقمت سنة فلما مضت السنة قلت يا ابا محمد قد مضت السنة قال حدثنى ابو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله ان لعبدى هذا عندى عهدا وانا احق من وفى بالعهد ادخلوا عبدى الجنة" .
ويناسب هذا ما يقال عهدنا لله.
عن ابى مسعود رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه ذات يوم
"أيعجز احدكم ان يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا قالوا وكيف ذلك قال يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انى اعهد اليك بانى اشهد ان لا اله الا انت وحدك لا شريك لك وان محمد عبدك ورسولك وانك ان تكلنى الى نفسى تقربنى من الشر وتباعدنى من الخير وانى لا اثق الا برحمتك فاجعل لى عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع (اى ختم عليه بخاتم) ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذى لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة" .
فلا بد من الدعاء فى الصبح والمساء لله الذى هو خالق الارض والسماء ومن الاخلاص الذى هو ملاك الامر كله فى طاعة المرء وعمله

عبادت باخلاص نيت نكوست وكرنه جه آيد زبى مغزبوست

{ وما اختلف الذين اوتوا الكتاب } نزلت فى اليهود والنصارى حين تركوا الاسلام الذى جاء به النبى عليه السلام وانكروا نبوته { الا من بعد ما جاءهم العلم } استثناء مفرغ من اعم الاحوال او اعم الاوقات اى ما اختلفوا فى دين الله الاسلام ونبوة محمد عليه السلام فى حال من الاحوال او اعم الاوقات اى وما اختلفوا فى دين الله الاسلام ونبوة محمد عليه السلام فى حال من الاحوال او فى وقت من الاوقات الا بعد ان عملوا بانه الحق الذى لا محيد عنه او بعد ان عملوا حقيقة الامر وتمكنوا من العلم بها بالحجج والآيات الباهرة. وفيه من الدلالة على ترامى حالهم فى الضلالة ما لا مزيد عليه فان الاختلاف بعد حصول تلك المرتبة مما لا يصدر عن العاقل { بغيا بينهم } مفعول به لقوله اختلف اى حسدا كائنا بينهم وطلبا للرياسة لا شبهة وخفاء فى الامر وهو تشنيع اثر تشنيع { ومن يكفر بآيات الله } الناطقة بما ذكر من ان الدين عند الله الاسلام ولم يعمل بمقتضاها { فان الله سريع الحساب } قائم مقام جواب الشرط عله له اى ومن يكفر بآياته تعالى فانه يجازيه ويعاقبه عن قريب فانه سريع الحساب اى يأتى حسابه عن قريب او سريع فى محاسبة جميع الخلائق لانه يحاسبهم فى اقل من لمحة بحيث يظن كل احد منهم انه اى الله يحاسب نفسه فقط.