التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٢٠٠
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين آمنوا اصبروا } على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد كالمرض والفقر والقحط والخوف وغير ذلك من المشاق { وصابروا } وغالبوا اعداء الله فى الصبر على شدائد الحرب واعدى عدوكم فى الصبر على مخالفة الهوى. والمصابرة نوع خاص من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصا لشدته وصعوبته وكونه اكمل وافضل من الصبر على ما سواه والصبر هو حبس النفس عما لا يرضاه الله واوله التصبر وهو التكلف لذلك ثم المصابرة وهى معارضة ما يمنعه عن ذلك ثم الاصطبار والاعتبار والالتزام ثم الصبر وهو كماله وحصوله من غير كلفة { ورابطوا } ابدانكم وخيولكم فى الثغور مترصدين وانفسكم على الطاعة كما قال عليه السلام "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط"
. { واتقوا الله لعلكم تفلحون } واتقوه بالتبرى مما سواه لكى تفلحوا غاية الفلاح او اتقوا القبائح لعلكم تفلحون بنيل المقامات الثلاثة المرتبة التى هى الصبر على مضض الطاعات ومصابرة النفس فى رفض العادات ومرابطة السر على جناب الحق لترصد الواردات المعبر عنها بالشريعة والطريقة والحقيقة فعلم من هذا ان الصبر دون المصابرة والمصابرة دون المرابطة قيل

توكز سراى طبيعت نميروى بيرون كجا بكوى طريقت كذر توانى كرد

ولا بد من السلوك حتى يتجاوز العبد عن الاحوال والمقامات الى اقصى النهايات ـ وحكى ـ عن ابراهيم بن ادهم انه كان يسير الى بيت الله راجلا فاذا اعرابى على ناقة فقال يا شيخ الى اين فقال ابراهيم الى بيت الله قال كيف وانت راجل لا راحلة لك فقال ان لى مراكب كثيرة فقال ما هى قال اذا نزلت علىّ بلية ركبت مركب الصبر واذا نزلت علىّ نعمة ركبت مركب الشكر واذا نزل بى القضاء ركبت مركب الرضى واذا دعتنى النفس الى شىء علمت ان ما بقى من العمر اقل مما مضى فقال الاعرابى انت الراكب وانا الراجل سر فى بلاد الله فالاشتغال طول العمر بالمجاهدة لازم حتى تنقلع الاخلاق الذميمة من النفس وتتبدل بالاوصاف الشريفة من الصبر وغيره ومثل هذه المجاهدة هى المرابطة ـ روى ـ ان واحدا من الصلحاء كان يختم كل ليلة ويجتهد فى العبادة فقيل له انك تتعب نفسك وتوقعها فى المشقة فقال كم عمر الدنيا فقيل سبعة آلاف سنة فقال وكم مقدار يوم القيامة فقيل خمسون الف سنة فقال لو عمر المرء بعمر الدنيا لحق له ان يجتهد فى العبادة لهذا اليوم الطويل فانه اسهل بالنسبة اليه.
وكانت معاذة العدوية امرأة صالحة كانت اذا جاء النهار تقول هذا اليوم يوم موتى فتشتغل بالعبادة الى المساء فاذا جاء الليل تقول هذه الليلة ليلة موتى فتحييها الى الصباح الى ان ماتت على هذه النمط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من رابط يوما وليلة فى سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته الا لحاجة"
. فهذا فى الجهاد الاصغر فكيف الحال فى الجهاد الاكبر يعنى ان المثوبات والدرجات اكثر فى حفظ النفس ومراقبتها وحبسها على الطاعات والعبادات

نكه دار فرصت كه عالم دميست دمى بيش دانابه ازعالميست
سراز جيب غفلت بر آور كنون كه فردا نمانى بخجلت نكون

قال الحافظ

داناكه زدتفرج اين جرخ حقه باز هنكامه بازجيد ودركفت وكوببست

قال ابو زيد البسطامىرحمه الله العارف من كان همه هما واحدا ولم ينتقل قلبه الى ما رأت عيناه وسمعت اذناه ـ روى ـ او زاهدا كان يجتهد فى العبادة فرآه رجل قد صار لباسه ذا وسخ فقال أيها العابد لم لا تغسل ثوبك قال العابد لانه ان غسلته يتوسخ ثانيا قال الرجل فاغسله مرة اخرى قال العابد ان الله لم يخلقنا لأن نغسل ثيابنا ويذهب عمرنا بهذا العمل بل للطاعة والعبادة: قال مولانا جلال الدين قدس سره

اول استعداد جنت بايدت تاز جنت زندكانى زايدت

تداركنا الله تعالى بلطفه.
وجاء اعرابى الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال انى اصوم شهر رمضان واصلى كل يوم خمس صلوات ولا ازيد على هذا لانى فقير ليس على زكاة ولا حج فاذا قامت القيامة ففى أى دار اكون انا فضحك النبى صلى الله وقال
"اذا حفظت عينيك عن اثنين عن النظر الى المحرمات والنظر الى الخلق بعين الاحتقار وحفظت قلبك عن اثنين عن الغل والحسد وحفظت لسانك عن اثنين عن الكذب والغيبة تكون معى فى الجنة" .