التفاسير

< >
عرض

وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٤٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ و } يجعله { رسولا الى بنى اسرائيل } اى يكلمهم وقال بعض اليهود انه كان مبعوثا الى قوم مخصوصين وكان اول انبياء بنى اسرائيل يوسف وآخرهم عيسى عليهما السلام { انى قد جئتكم } معمول لرسول لما فيه من معنى النطق اى رسولا ناطقا بأنى قد جئتكم ملتبسا { بآية } عظيمة كائنة { من ربكم } وهو ما ذكر بعده من خلق الطير وغيره { انى اخلق } بدل من انى قد جئتكم اى اقدر واشكل لانه قد ثبت ان العبد لا يكون خالقا بمعنى التكوين والابداع فوجب ان يكون بمعنى التقدير والتسوية { لكم } اى لاجلكم بمعنى التحصيل لايمانكم ورفع تكذيبكم اياى { من الطين } شيأ { كهيئة الطير } اى مثل صورة الطير { فانفخ فيه } الضمير للكاف اى فى ذلك الشىء المماثل لهيئة الطير { فيكون طيرا } حيا طيارا كسائر الطيور { باذن الله } بامره تعالى اشار بذلك الى ان احياءه من الله تعالى لا منه لان الله هو الذى خلق الموت والحياة فهو يخلق الحياة فى ذلك الجسم بقدرته عند نفخ عيسى عليه السلام فيه على سبيل اظهار المعجزات - روى - ان عيسى عليه السلام لما ادعى النبوة واظهر المعجرات طالبوه بخلق خفاش فاخذ طينا وصورة ثم نفخ فيه فاذا هو يطير بين السماء والارض.
قال وهب كان يطير ما دام الناس ينظرون اليه فاذا غاب عن اعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الخلق من فعل الله قيل انما طلبوا خلق الخفاش لانه اعجب من سائر الخلق ومن عجائبه انه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الحيوان من الطيور ويكون له الضرع ويخرج منه اللبن ولا يبصر فى ضوء النهار ولا فى ظلمة الليل وانما يرى فى ساعتين ساعة بعد غروب الشمس وساعة بعد طلوع الفجر قبل ان يسفر جدا ويضحك كما يضحك الانسان وله اسنان ويحيض كما تحيض المرأة ولما دل القرآن على ان عيسى عليه السلام انما تولد من نفخ جبريل فى مريم وجبريل روح محض وروحانى محض فلا جرم كانت نفخة عيسى سببا للحياة والروح { وابرئ } اى اشفى واصحح { الاكمة } اى الذى ولد اعمى. قال الزمخشرى لم يوجد فى هذه الامة اكمه غير قتادة بن دعامة السدوسى صاحب التفسير { والابرص } وهو الذى به برص اى بياض فى الجلد يتطير به واذا استحكم فلا برء له ولا يزول بالعلاج ولم تكن العرب تنفر من شىء نفرتها منه. وانما خصها بالذكر للشفاء لانهما مما اعيى الاطباء فى تداويهما وكانوا فى غاية الحذاقة فى زمن عيسى عليه السلام وسألوا الاطباء عنهما فقال جالينوس واصحابه اذا ولد اعمى لا يبرأ بالعلاج وكذا الابرص اذا كان بحال لو غرزت الابرة فيه لا يخرج منه الدم لا يقبل العلاج فرجعوا الى عيسى وجاؤا بالاكمه والابرص فمسح يده بعد الدعاء عليهما فابصر الاعمى وبرىء الابرص فآمن له البعض وجحد البعض وقال هذا سحر - روى - انه ابرأ فى يوم واحد خمسين الفا من المرضى من اطاق منهم اتاه ومن لم يطق اتاه عيسى عليه السلام { واحى الموتى باذن الله } فسألوا جالينوس عنه فقال الميت لا يحيى بالعلاج فان كان هو يحيى الموتى فهو نبى وليس بطبيب فطلبوا ان يحيى الموتى فاحيى اربعة انفس احيى العازر وكان صديقا له فارسل اخته الى عيسى ان اخاك العازر يموت فأته فكان وبينه وبينه مسيرة ثلاثة ايام فأتاه هو واصحابه فوجوده قد مات منذ ثلاثة ايام فقال لاخته انطلقى بنا الى قبره فانطلقت معهم الى قبره وهو فى صخرة مطبقة فقال عيسى عليه السلام اللهم رب السموات السبع والارضين السبع انك ارسلتنى الى بنى اسرائيل ادعوهم الى دينك واخبرهم انى احيى الموتى فاحيى العازر فقام العازر ووكده يقطر فخرج من قبره وبقى وولده واحيى ابن عجوز مربه ميتا على عيسى على سرير يحمل فدعا الله عيسى فجلس على سريره ونزل عن اعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع الى اهلة فبقى وولد له واحيى ابنة العاشر الذى يأخذ العشور قيل له احيها وقد ماتت امس فدعا الله تعالى فعاشت وبقيت وولدلها فقالوا يحيى من كان قريب العهد من الموت فلعلهم لم يموتوا بل اصابتهم سكتة فاحى لنا سام بن نوح فقال عيسى دلونى على قبره فخرج والقوم معه حتى انتهى الى قبره فدعا الله تعالى بالاسم الاعظم فخرج من قبره وقد شاب راسه فقال عيسى كيف شاب رأسك ولم يكن فى زمانك شيب قال يا روح الله لما دعوتنى سمعت صوتا يقول اجب روح الله فظننت ان القيامة قد قامت فمن هول ذلك شاب رأسى فسأله عن النزع فقال يا روح الله ان مرارته لم تذهب عن حنجرتى وقد كان من وقت موته اكثر من اربعة آلاف سنة فقال للقوم صدقوه فانه نبى فآمن به بعضهم وكذبه آخرون ثم قال له مت قال بشرط ان يعيذنى الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل ثم طلبوا آية اخرى دالة على صدقه فقال { وانبئكم بما تأكلون } من انواع المآكل { وما تدخرون } اى وما تخبأون للغد { فى بيوتكم } فكان يخبر الرجل بما اكل قبل م بما يأكل بعد ويخبر الصبيان وهو فى المكتب بما يصنع اهلهم وبما يأكلون ويخبأون لهم وكان الصبى ينطلق الى اهله ويبكى عليهم حتى يعطوه ما خبأوا له ثم قالوا لصبيانهم لا تلعبوا مع هذا الساحر وجمعوهم فى بيت فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا ليسوا فى هذا البيت فقال فمن فى هذا البيت قالوا خنازير فقال عليه السلام كذلك يكونون فاذاهم خنازير { ان فى ذلك } اى ما ذكر من الخوارق والامور العظام { لآية } عظيمة { لكم } دالة على صحة رسالتى دلالة واضحة { ان كنتم مؤمنين } انتفعتم بها.