التفاسير

< >
عرض

إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٥٩
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان مثل عيسى } اى شانه البديع المنتظم لغرابته فى سلك الامثال { عند الله } اى فى تقديره وحكمه { كمثل آدم } اى كحاله العجيبة التى لا يرتاب فيها مرتاب ولا ينازع فيها منازع { خلقه من تراب } تفسير للمثل لا محل له من الاعراب اى خلق قالب آدم من تراب.
فان قيل الضمير فى خلقه راجع الى آدم وحين كان ترابا لم يكن آدم موجودا. قلنا لما كان ذلك الهيكل بحيث سيصير آدم عن قريب سماه آدم قبل ذلك تسمية لما سيقع بالواقع { ثم قال له كن } اى انشأ بشرا { فيكون } والمقتضى أن يقال فكان اى كان امره الله الا انه عدل الى المضارع حكاية للحال التى كان آدم عليها اى تصويرا لذلك الايجاد الكامل بصورة المشاهد الذى يقع الآن - روى -
"ان وفد نجران قدموا المدينة وهو اربعة عشر رجلا من اشرافهم. منهم السيد وهو كبيرهم واسمه اهيب والعاقب الذى بعده وهو صاحب رأيهم واسمه عبد المسيح. والثالث ابو حارثة ابن علقمة الاسقف وكان فى شرف وخطر عظيم وكان ملك الروم بنى له الكنائس وكان يبعث له بالكرامات فاقبلوا حتى قدموا على النبى عليه السلام فى مسجد المدينة بعد العصر عليهم ثياب حسان ولهم وجوه جسام فقاموا وصلوا واستقبلوا قبلتهم واراد اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ان يمنعوهم فقال صلى الله عليه وسلم دعوهم وقد كان نزل على النبى عليه السلام قبل قدومهم صدر آل عمران لمحاجتهم ثم انتهى ابو حارثة هذا وآخر معه الى النبى عليه السلام فقال لهما صلى الله عليه وسلم اسلما فقالا اسلمنا قبلك فقال صلى الله عليه وسلم كذبتما يمنعكما عن الاسلام ثلاث عبادتكما الصليب واكلكما الخنزير وزعمكما ان لله ولداً قال يا محمد فلم تشتم صاحبنا عيسى قال وما اقول قالوا تقول انه عبد قال اجل هو عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى العذراء البتول فغضبوا وقالوا هل رأيت انسانا من غير اب فحيث سلمت انه لا اب له من البشر وجب ان يكون هو الله فقال صلى الله عليه وسلم ان آدم عليه السلام ما كان له اب ولا ام ولم يلزم من ذلك كونه ابنا لله تعالى فكذا حال عيسى عليه السلام" فالوجود من غير اب وام أخرق للعادة من الوجود من غير اب فشبه الغريب بالاغرب ليكون اقطع لشبهة الخصم اذا نظر فيما هو اغرب مما استغربه.