التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
٢٠
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن آياته } اى ومن علامات الله الدالة على البعث.
وقال الكاشفي [واز نشانهاى قدرت خداى تعالى] { ان خلقكم } يا بنى آدم فى ضمن خلق آدم لانه خلقه منطويا على خلق ذرياته انطواء اجماليا والخلق عبارة عن تركيب الاجزاء وتسوية الاجسام { من تراب } لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه فى ذاتكم وصفاتكم وانما خلق الله الانسان من التراب ليكون متواضعا ذلولا حمولا مثله والارض وحقائقها دائمة فى الطمأنينة والاحسان بالوجود ولذلك لا تزال ساكنة وساكتة لفوزها بوجود مطلوبها فكانت اعلى مرتبة وتحققت فى مرتبة العلو فى عين السفل وقامت بالرضى { ثم اذا انتم } [بس ا كنون شما] { بشر } [مردمانيد آشكارا] اى آدميون من لحم ودم عقلاء ناطقون.
قال فى المفردات البشرة ظاهر الجلد وعبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف او الشعر او الوبر. واستوى فى لفظ البشر الواحد والجمع وخص فى القرآن كل موضع اعتبر من الانسان جثته وظاهره بلفظ البشر { تنتشرون } الانتشار [براكنده شدن].
قال الراغب انتشار الناس تصرفهم فى الحاجات. والمعنى فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرا تنتشرون فى الارض فدل بدء خلقكم على اعادتكم وهذا مجمل ما فصل فى قوله تعالى فى اوائل سورة الحج { يا ايها الناس ان كنتم فى ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم } اى ان كنتم فى شك من البعث بعد الموت فانظروا الى ابتداء خلقكم وقد خلقناكم بالاطوار لتظهر لكم قدرتنا على البعث فتؤمنوا به وانشد بعضهم.

خلقت من التراب فصرت شخصا بصيرا بالسؤال وبالجواب
وعدت الى التراب فصرت فيه كأنى ما برحت من التراب

قال الشيخ سعدى قدس سره.

بامرش وجود ازعدم نقش بست كه داندجزا وكردن ازنيست هست
دكرره بكتم عدم دربرد واز آنجا بصحراى محشر برد

وفي التأويلات النجمية يشير الى ان التراب ابعد الموجودات الى الحضرة لانا اذا نظرنا الى الحقيقة وجدنا اقرب الموجودات الى الحضرة عالم الارواح لانه اول ما خلق الله الارواح ثم العرش لانه محل استواء الصفة الرحمانية ثم الكرسي ثم السماء السابعة ثم السموات كلها ثم فلك الزمهرير اعنى الهواء ثم الماء ثم التراب وهو جماد لا حس فيه ولا حركة وليس له قدرة على تغيير ذاته وصفاته فلما وجدنا ذاته متغيرة عن وصف الترابية صورة ومعنى متبدلة كتغير صورته بصورة البشر وتبدل صفته بصفة البشرية علم انه محتاج الى مغير ومبدل وهو الله سبحانه واشار بقوله { ثم اذا انتم بشر تنتشرون } يعنى كنتم ترابا جمادا ميتا ابعد الموجودات عن الحضرة جعلتكم بشرا بنفخ الروح المشرف باضافة من روحى وهو اقرب الموجودات الى الحضرة فأى آية اظهر وابين من الجمع بين ابعد الابعدين واقرب الاقربين بكمال القدرة والحكمة ثم جعلتكم مسجود الملائكة المقربين وجعلتكم مرآة مظهرة لجميع صفات جمالى وجلالى ولهذا السر جعلتكم خلائق الارض انتهى.
يقول الفقير والخليفة لا بد له من الانتقال من موطن الى موطن اعطاء لاحكام الاسلام فالموطن الدنيوى هو من آثار الاسم الظاهر والانتقال الى الموطن البرزخى من احكام الاسم الباطن فلما صار الغيب شهادة بالنسبة الى الموطن الاول فى ابتداء الظهور واوله فكذلك تصير الشهادة غيبا بالنسبة الى الموطن الثاني والموطن الحشرى فى انتهاء الظهور وثانيه. يعنى ان الدنيا تصير غيبا راجعا الى حكم الاسم الباطن عند ظهور البعث والحشر كما كانت شهادة قبله راجعة الى حكم الاسم الظاهر وان الاخرى تصير شهادة بعده كما كانت غيبا قبله فهى كالقلب الآن وسينقلب الامر فيكون القلب قالبا والقالب قلبا نسأل الله الانتقال بالكمال التام والظهور فى النشأة الآخرة بالوجود المحيط العالم.