التفاسير

< >
عرض

ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٤١
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ظهر الفساد } شاع { فى البر } كالجدب وقلة النبات والربح فى التجارات والريع فى الزراعات والدر والنسل فى الحيوانات ومحق البركات من كل شئ ووقوع الموتان بضم الميم كبطلان الموت الشائع فى الماشية وظهور الوباء والطاعون فى الناس وكثرة الحرق بفتحتين اسم من الاحراق وغلبة الاعداء ووجود الفتن والحرب ونحو ذلك من المضار { والبحر } كالغرق بفتحتين اسم من الاغراق وعمى دواب البحر بانقطاع المطر فان المطر لها كالكحل للانسان واخفاق الغواصين اى خيبتهم من اللؤلؤ فانه يتكوّن من مطر نيسان فاذا انقطع لم ينعقد. وبيانه انه اذا اتى الربيع يكثر هبوب الرياح وترتفع الامواج ويضطرب البحر فاذا كان الثامن عشر من نيسان خرجت الاصداف من قعور بحر الهند وفارس ولها اصوات وقعقعة وبوسط كل صدفة دويبة صغيرة وصفحتا الصدفة لها كالجناحين وكالسور تتحصن به من عدو مسلط عليها وهو سرطان البحر فربما تفتتح اجنحتها تشم الهواء فيدخل السرطان مقصية بينهما ويأكلها وربما يتحيل السرطان فى اكلها بحيلة دقيقة وهو ان يحمل فى مقصيه حجر مدورا كبندقة الطين ويراقب دابة الصدف حتى تشق عن جناحيها فيلقى السرطان الحجر بين صفحتى الصدفة فلا تنطبق فيأكلها ففى الثامن عشر من نيسان لا تبقى صدفة فى قعور البحار المعروفة بالدر الا صارت على وجه الماء وتفتحت على وجه يصير وجه الماء ابيض كاللؤلؤ وتأتى سحابه مطر عظيم ثم تتقشع السحابه وقد وقع فى جوف كل صدفة ما قدر الله تعالى واختار من القطر اما قطرة واحدة واما اثنتان واما ثلاث وهلم جرا الى المائة والمائتين وفوق ذلك ثم تنطبق الصداف وتلحم وتموت الدابة التى كانت فى جوف الصدفة فى الحال وترسب الاصداف الى قعر البحر حتى لا يحركها الماء فيفسد ما فى بطناه وتلحم صفحتا الصدفة الحاما بالغا حتى لا يدخل الى الدرة ماء البحر فيصفرها وافضل الدر المتكون فى هذه الاصداف القطرة الواحدة ثم الاثنتان ثم الثلاث وكلما قل العدد كان اكبر جسما واعظم قيمة وكلما كثر العدد كان اصغر جسما وارخص قيمة والمتكون من قطرة واحدة هى الدرة اليتيمة التى لا قيمة لها والاخريان بعدها

زبر افكند قطره سوى يم زصلب او افكند نطفة درشكم
ازان قطره لؤلؤ لا لا كند وزين صورتى سروبالا كند

فالصدفة تنقلب الى ثلاثة اطوار فى الاول طور الحيوانية فاذ وقع القطر فيها ماتت الدويبة وصارت فى طور الحجرية ولذلك غاصت الى القرار وهذا طبع الحجر وهو الطور الثانى وفى الطور الثالث وهو الطور النباتى تشرس فى قرار البحر وتمد عروقها كالشجرة ذلك تقدير العزيز العليم ولمدة حملها وانعقادها وقت معلوم وموسم يجتمع فيه الغواصون والتجار لاستخراج ذلك هذا فى البحر. واما فى البر ففى الثامن عشر من نيسان تخرج فراخ الحيات التى ولدت فى تلك السنة وتصير من بطن الارض الى وجهها كالاصداف فى البحر وتفتح افواهها نحو السماء كما فتحت الاصداف فما نزل من قطر السماء فى فمها اطبقت فمها عليه ودخلت بطن الارض فاذا تم حمل الصدف فى البحر وصار لؤلؤا شفافا صار ما دخل فى فم فراخ الحيات داء وسما فالماء واحد والاوعية مختلفة والقدرة صالحة لكل شئ وقد قيل فى هذا المعنى

ارى الاحسان عند الحرّ دينا وعند الندل منقصة وذمّا
كقطر الماء فى الاصداف درّا وفى جوف الافاعى صار سما

كذا فى خريدة العجائب وفريدة الغرائب للشيخ العلامة ابى حفص الوردىرحمه الله .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى بر النفس وبحر القلب وفساد النفس باكل الحرام وارتكاب المحظورات وتتبع الشهوات وفساد القلب بالعقائد السوء ولزوم الشبهات والتمسك بالاهواء والبدع والاتصاف بالاوصاف الذميمة وحب الدنيا وزينتها وطلب شهواتها ومنافعها ومن اعظم فساد القلب عقد الاصرار على المخالفات كما ان من اعظم الخيرات صحة العزم على التوجه الى الحق والاعراض عن الباطل انتهى.
وايضا البر لسان علماء الظاهر وفساده بالتأويلات الفاسدة. والبحر لسان علماء الباطن وفساده بالدعاوى الباطلة

ماه ناديده نشانها ميدهند

{ بما كسبت ايدى الناس } اى بسبب شؤم المعاصى التى كسبها الناس فى البر والبحر بمزاولة الايدى غالبا.
ففيه اشارة الى ان الكسب من العبد والتقدير والخلق من الله تعالى فالطاعة كالشمس المنيرة تنتشر انوارها فى الآفاق فكذا الطاعة تسى بركاتها الى الاقطار فهى من تأثيرات لطفه تعالى والمعصية كالليلة المظلمة فكما ان الليلة تحيط ظلمتها بالجوانب فكذا المعصية تتفرق شآمتها الى الاقارب والاجانب فهى من تأثيرات قهره تعالى.
واول فساد ظهر فى البر قتل قاببل اخاه هابيل. وفى البحر اخذ الجلندى الملك كل سفينة غصبا وفى المثل اظلم من اين الجلندى بزيادة ابن كما فى انسان العيون وكان من اجداد الجحاج بينه وبينه سبعون جدا وكانت الارض خضرة معجبة بنضارتها لا يأتى ابن آدم شجرة الاوجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذبا وكان لا تقصد الاسود البقر فلما وقع قتل المذكور تغيير ما على الارض وشاكت الاشجار اى صارت ذات شوك وصار ماء البحر ملحا مرّا جدّا وقصد بعض الحيوان بعضا.
وتعلقت شوكة بنبى فلعنها فقالت لا تلعني فانى ظهرت من شؤم ذنوب الآدميين يقول الفقير

جون عمل نيكو بود كلها دمد جونكه زشت آيد برويد خارزار
كر بد وكرنيك باشد كارتو هوجه كارى بد روى آنجام كار

{ ليذيقهم بعض الذى عملوا } اللام للعلة والذوق وجود الطعم بالفم وكثر استعماله فى العذاب يعنى افسد الله اسباب دنياهم بسوء صنيعهم ليذيقهم بعض جزاء ما عملوا من الذنوب والاعراض عن الحق ويعذبهم بالبأساء والضراء والمصائب وانما قال بعض لان تمام الجزاء فى الآخرة ويجوز ان يكون اللام العاقبة اى كان عاقبة ظهور الشرور منهم ذلك نعوذ بالله من سوء العاقبة { لعلهم يرجعون } عما كانوا عليه من الشرك والمعاصى والغفلات وتتبع الشهوات وتضييع الاوقات الى التوحيد والطاعة وطلب الحق والجهد فى عبوديته وتعظيم الشرع والتأسف على ما فات وهذا كقوله تعالى { ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون } اى يتعظون فلم يتعظوا ففيه تنبيه على ان الله تعالى انما يقضى بالجدوبة ونقص الثمرات والنبات لطفا من جنابه فى رجوع الخلق عن المعصية

بارها بوشد بى اظهار فضل باز كيرد ازبى اظهار عدل
تايشمان ميشوى ازكار بد تاحيا دارى زالله الصمد

اعلم ان الله تعالى غير بشؤم المعصية اشياء كثيرة. غير صورة ابليس واسمه وكان اسمه الحارث وعزايل فسماه ابليس. وغير لون حام بن نوح بسبب انه نظر الى سوءة ابيه فضحك وكان ابوه نوح نائما فاخبر بذلك فدعا عليه فسوده الله تعالى فتولد منه الهند والحبشة. وغير الصورة على قوم موسى فصيرهم قردة وعلى قوم عيسى فصيرهم خنازير. وغير ماء القبط ومالهم فصيرهما دما وحجرا. وغير العلم على امية بن ابى الصلت وكان من بلغاء العرب حيث كان نائما فاتاه طائر وادخل منقاره فى فيه فلما استيقظ نسى جميع علومه. وغير اللسان على رجل بسبب العقوق حيث نادته والدته فلم يجب فصار اخرس. وغير الايمان على برصيصا بسبب شرب الخمر والزنى بعد ما عبد الله تعالى مائتين وعشرين سنة الى غير ذلك.
وقد قال كعب الاحبار لما اهبط الله تعالى آدم عليه السلام جاءه ميكائيل بشئ من حب الحنطة وقال هذا رزقك ورزق اولادك قم فاضرب الارض وابذر البذر قال ولم يزل الحب من عهد آدم الى زمن ادريس عليهما السلام كبيضة النعام فلما كفر الناس نقص الى بيضة الدجاجة ثم الى بيضة الحمامة ثم الى قدر البندقية وكان فى زمن عزيز عليه السلام على قدر الحمصة.
وقد ثبت فى الاحاديث الصحيحة ان ظهور الفاحشة فى قوم واعلانها سبب لفشوّ الطاعون والاوجاع.
ونقص الميزان والمكيال سبب للقحط وشدة المؤوتة وجوز السلطان.
ومنع الزكاة سبب لانقطاع المطر ولولا البهائم لم يمطروا.
ونقض عهد الله وعهد رسوله سبب لتسلط العدو.
واخذ الاموال من ايدى الناس وعدم حكم الائمة بكتاب الله سبب لوقوع السيف والقتال بين الناس.
واكل الربا سبب للزلزلة والخسف فضرر البعض يسرى الى الجميع ولذا يقال من اذنب ذنبا فجميع الخلق من الانس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماؤه يوم القيامة فلا بد من الرجوع الى الله تعالى بالتوبة والطاعة والاصلاح فان فيه الفوز والفلاح.
قال ذو النون المصرى قدس سره رأيت رجلا احدى رجليه خارجه من صومعته يسيل منها الصديد فسألته عن ذلك فقال زارتنى امرأة فنامت بجنب صومعتى فجملتنى نفسى على ان انزل عليها بالفجور فساعدتنى احدى رجلى دون الاخرى فحلفت ان لا تصحبنى ابدا وهذا حقيقة التوبة والندامة نسأل الله العفو والعافية والسلامة

توبه كردم حقيقت باخدا نشكنم تاجان شدن ازتن جدا

كذا فى المثنوى نقلا عن لسان نصوح.